عنهم، فجاوبهم بما يثلج الصدر ويقرّ الأعين إذ «قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ» ، وأصل الكلمة الثرب وهو الشحم الرقيق على الكرش، وفي الجوف، وصيغة التفعيل للسلب أي إزالة الثرب كالتجليد والتقريع بمعنى إزالة الجلد والقرع، واستعير للّوم الذي يخرق الاعراض ويذهب بهاء الوجه، لأنه بإزالة الشحم يبدو الهزال وما لا يرضى، كما أنه باللوم تظهر العيوب، لذلك شبه به، والجامع بينهما طروء النقص بعد الكمال وإزالة ما به الكمال والجمال بكل، وهي اسم لا وخبرها مقدر تقديره كائن متعلق عليكم، واليوم ظرف متعلق بذلك الخبر المقدر أيضا، ولفظ اليوم هنا ليس لا قيد لأنه إذا لم يلمهم أول لقائه واشتعال ناره، فلأن لا يلومهم ولن يعاقبهم بعده بطريق الأولى. وقال المرتضى إن اليوم موضوع للزمان كله، مستدلا بقوله:
اليوم يرحمنا من كان يغبطنا ... واليوم نتبع من كانوا لنا تبعا
كأنه أريد بعد اليوم، قال هذا عليه السلام تطييبا لخاطرهم، وسدا عن بحث ما سلف منهم، وعلى هذا ينبعي أن يوقف على كلمة اليوم، لأنه راجع للتثريب ومتعلق بما تعلق به خبر لا كما ذكرنا، ويبتدأ بقوله عز قوله «يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ» وهذه جملة دعائية لهم بالمغفرة من الله، لأن فعل الدعاء لا ينصب ما قبله غالبا، وإذا رجعناه لما بعده وعلقناه بقوله تعالى يغفر فينبغي أن يوقف على كلمة عليكم ويبتدأ بكلمة اليوم ويوصلها بما بعدها، وعلى هذا يكون المعنى مبادرته لهم بالبشارة بمغفرة ربهم عما سبق منهم بحقه وحق أخيه، وذلك لما لحقهم من الخجل والحياء، إذ لم يبق لهم بد من اعترافهم بالخطأ وندمهم على فعلهم، ويكون ذلك من قبيل الإخبار بالغيب، وعلى هذا قول صلّى الله عليه وسلم لقريش عند فتح مكة ما تروني فاعلا بكم؟
قالوا نظن خيرا أخ كريم وابن أخ كريم وقد قدرت، فقال أقول كما قال أخي يوسف لا تثريب عليكم، وقولهم هذا فضلا عن اعترافهم بالذنب فإنه توبة أيضا، ولا شك أن الذنب مرض وشفاؤه التوبة، ولهذا قال لهم ما قال، وهو مصدر العفو، ولما جاء أبو سفيان ليسلم قال له العباس اتل على رسول الله لا تثريب عليكم اليوم، ففعل، فقال صلّى الله عليه وسلم يغفر الله لك ولمن علمك. وهذا قد يصح لأن السورة