للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المدنية السادسة

قال تعالى «وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ» مرفوعات عن الأرض «وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ» منبسطة على وجه الأرض، وذلك أن أشجار العنب منه ما هو منبسط على الأرض ويسمى كرما عرفا على أن هنالك أخبارا بعدم جواز اطلاق لفظ الكرم على شجر العنب ومنه ما هو مرتفع على الأعواد كهيئة السقف ويسمى عريشا، هذا على تخصيص هذه الجنّات في الآية على العنب فقط أما إذا أطلق لفظ الجنات فإن المعروش منها كل ما انبسط على وجه الأرض وانتشر كالكرم والقرع والبطيخ والقثاء وشبهها من الأزهار غير المثمرة، وغير المعروش كل ما قام على ساق ونسق كالنخل والموز والتفاح وأشباهه، والزروع كالحنطة والذرة والرز وغيرها من النبات الغير مثمر أيضا، ولكن قوله تعالى بعد ذلك «وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ» يؤيد الأول وقد جعل الله كلا من ذلك «مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ» في الطعم كاختلاف شجره وثمره في اللون والشكل والحجم والرائحة «وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً» في طعمه ولونه وشكله ورائحته أيضا «وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ» في شيء من ذلك، فيا أيها الناس «كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ» وهذا أمر إباحة بتناول ثمر تلك الأشجار نضجت أو لا إذ لم يقل إذا نضج فيجوز أكله عند بدو إدراكه إذا لم يضر بالصحة فإذا علم ضرره حرم أكله لأن منها ما ينفع نضيجه ويضر نيئه ومنها ما لا، لأن القصد من خلقها والإنعام بها على عباده هو الأكل لما تشتهيه النفس منها راجع الآية ٩٩ المارة «وَآتُوا حَقَّهُ» زكاته التي أوجها الله عليكم وبينها حضرة الرسول «يَوْمَ حَصادِهِ» وبعد تصفيته وجفافه وقد آذنت هذه الآية بجواز الأكل من تلك قبل إعطاء الزكاة لا لبيع وغيره.

[مطلب ما تجب فيه الزكاة من الحبوب وغيرها والحكم الشرعي في قدرها:]

وإن الزكاة لا تجب إلا بعد الحصاد حذرا من وقوع آفة سماوية أو أرضية على الحبوب والأثمار فيتضرر بها، ولا زكاة وهو في السنبل والجربان والعثوق لعدم معرفة القدر الواجب، وهذا مما يؤيد بأن المراد بالمعروشات الأعناب إذ تجب فيها الزكاة، وكذلك ما عطفت عليها، وبأن هذه الآية مدنية، لأن الزكاة لم تفرض في مكة بل في المدينة وظاهر الأمر للوجوب إذ لا يوجد ما يصرفه عنه وهي محكمة سارية في كل نوع من أنواع ما تجب فيه الزكاة. الحكم الشرعي:

<<  <  ج: ص:  >  >>