للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال تعالى (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها) الآية ١٨ من سورة النحل ومثلها الآية ٢٤ من سورة إبراهيم الآتيتين فراجعهما، ثم طفق جل شأنه يذكر بعض أحوال المتنطعين فقال «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ» نزلت هذه الآية في أمية بن خلف وأبي بن خلف وأضرابهم الذين كانوا يجادلون حضرة الرسول في صفات الله تعالى وهم جهال في الله لا علم لهم يستدلون به على جلال صفاته «وَلا هُدىً» يهتدون به إلى الصواب ليعرفوا عظيم قدرته وجليل هباته «وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ ٢٠» يسترشدون به إلى أوامره ونواهيه ليعرفوا الحق من الباطل ومن كان كذلك ليس له أن يجادل في شيء من آيات الله فضلا عن ذاته المقدسة، أما أهل العلم والهدى والكتاب فإنهم لا يجادلون في ذلك لكمال يقينهم وصدق إيمانهم وقوة دينهم وشدة عقيدتهم فيه، وهؤلاء الفسقة

«وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ» واتركوا هذا الجدال المجرد عن أدلة عقلية صحيحة أو نقلية صريحة لأنها غير مستندة إلى كتاب أو اقتداء برسول «قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ» في هذا الجدال والمراء «ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا» من التقاليد المتناقلة، قال تعالى «أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ» أي آباءهم الذين كانوا يقتفون آثارهم «إِلى عَذابِ السَّعِيرِ ٢١» أي أيتبعونهم ولو كانوا كذلك؟! وهذه الآية على حد قوله تعالى (أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) الآية ١٧٠ من البقرة في ج ٣ بعد قوله حكاية عنهم (بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا) والواو هنا حالية والاستفهام للتعجب «وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ» نفسه من اطلاق الجزء وإرادة الكل وإنما صح لأن الإقبال بالوجه إقبال بالكل «إِلَى اللَّهِ» بأن يفوض أمره إليه ويخلص بقلبه وقالبه لجلاله «وَهُوَ مُحْسِنٌ» في أعماله وأقواله «فَقَدِ اسْتَمْسَكَ» توثق على أتم حال «بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى» القوية من الشدة في الحبل المتين المأمون الانقطاع أي اعتصم بعهد الله الذي لا ينقض ووعد الله الذي لا يخلف بخلاف عهد ووعد الكفرة الذين لا يهمهم النكث فيه والخلف له لعدم تقيدهم بدين صحيح يرجعون إليه، مثل الله تعالى حال المتوكل عليه المخلص له بحال المتدلي من علو أو المترقي إلى فوق المحتاط لنفسه من الوقوع بأن يتمسك بأمتن

<<  <  ج: ص:  >  >>