قلب الحب كرها والعداوة صداقة، وبالعكس، ولهذا لجأ يوسف عليه السلام إلى ربه ليصرف ما حاك في صدره الشريف، قال المتنبي:
يراد من القلب نسيانكم ... وتأبى الطباع على الناقل
ولهذا فإن العاشق كثيرا ما يريد إزالة العشق من قلبه ولكنه يعجز. واعلم أن أكثر ما يوقع في المعصية الجهل والخطأ، ولا تقع إلا بتقدير الله تعالى وقضائه وهي للمغفرة أقرب، أما والعياذ بالله من يوقعها عالما عامدا فقد تؤدي إلى كفره، لأن العلم والعمد دليلان على الاستحلال واستحلال ما حرم الله كفر، قال بعض النادمين على ما فعلوا:
وما كانت ذنوبي عن عناد ... ولكن بالشقا حكم القضاء
ومن كان كهذا فباب العفو يشمله، قال تعالى «ثُمَّ بَدا لَهُمْ» أي العزيز وأهله وأصحابه رأي آخر بعد ذلك الرأي، إذ أن زليخا قالت لزوجها إن هذا العبد قد فضحني، فإما أن تأذن لي بالخروج لأعتذر إلى الناس، وإما أن تحبسه ليقطع هذا الكلام ويقف عند حده، وذلك بعد ما أيست منه و «مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ» الدالات على براءته وطهارته بما قص الله عنه. قال عكرمة سألت ابن عباس عن هذه الآيات، فقال ما سألني عنها أحد قبلك هي قدّ القميص وأثرها في جسده وشهادة الشاهد وأثر السكين في النساء، وفي قوله من الآيات إيذان بأن هناك آيات أخر لم يذكرها، كما أنه لم يذكر كثيرا من معجزات الأنبياء عليهم السلام، وفاعل بدا ضمير يعود إلى البداء بمعنى الرأي كما ذكرنا وعليه قوله:
لعلك والموعود حق لقاؤه ... بدا لك في تلك القلوص بداء
[مطلب اختيار السجن ليوسف والمتآمرين على اغتيال الملك وتأويل رؤيا السجينين:]
واما السجن المفهوم من قوله تعالى «لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ ٣٥» إلى أن ينسى الناس هذه الحادثة وينقطع ذكرها في المدينة، وإنما اختار الحبس على خروج زوجته واعتذارها من الناس، لأن الاعتذار لا يقطع الإشاعة عن زوجته بل يزيدها، والحبس قد يقطع خبرها بطول الزمن المستفاد من قوله (حَتَّى حِينٍ) ،