اعتبار فلا يألفونه عمه قلوبهم أيضا، لأنهم لا يفقهونه ولا يريدون أن يتدبروه، «فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ ١٧١» شيئا ينفعهم من أمر الدين وقد شبه الله تعالى في هذه الآية الداعي إلى ربه وسلوك طريقه بالراعي، والكفرة بالغنم، ووجه الشبه هو أنه كما أن الغنم لا تعي من الراعي إلا الصوت ولا تفهم المراد منه لأنه قد يؤدي اتباعها صوته إلى الذبح كما هو الواقع عند أخذها إلى المذبح، فكذلك الكفار لا يسمعون من مرشدهم إلا صوته، فلا ينتفعون به ولا يهتدون لهديه، وقد يؤدي إعراضهم عنه إلى ضلالهم المؤدي إلى قذفهم في النار بجامع عدم الفطنة في كل منهما.
[مطلب في الأكل وأحكامه وأكل الميتة والدم وغيرهما من المحرمات:]
قال تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ» ولا تلتفتوا إلى هؤلاء فيما يحللون ويحرمون من تلقاء أنفسهم «وَاشْكُرُوا لِلَّهِ» لنعمته عليكم في الأكل منها ومن غيرها، لأن به قوام أبدانكم، وملاك قوتكم على طاعة الله «إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ١٧٢» بإخلاص لا تقصدون وجه غيره بها، وهذا الأمر بالأكل واجب لحفظ النفس ودفع ضرر الجوع عنها لأنه داء دواءه الأكل، ومندوب للأكل مع الضيف لئلا يستحي فلا يشبع، ومباح في سائر الأوقات، وحرام بعد الشبع، ومكروه الشبع نفسه، إذ ينبغي أن يرفع يده ونفسه تشتهي الطعام ليجد له لذة وينتفع به، لأن من الشبع ما يؤدي إلى التخمة وإلى نفرة النفس من الطعام وإلى توسع المعدة ويسبب أمراضا كثيرة قد تؤدي إلى الموت. قال تعالى «إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ» حتف أنفها عدا السمك والجراد لاستثنائهما بالحديث، والدابة الفارة التي لم يقدر على مسكها وأمكن إراقة شيء من دمها من أي موضع كان جاز أكلها ولا تدخل في حكم الميتة لإخراج دمها يفعل فاعل قصدا، والسمك لا دم له، إذ من شأن الدم أن يسودّ إذا يبس، ودم السمك إذا يبس ابيض، والجراد لا دم له أصلا «وَالدَّمَ» الجاري من الحيوان بحياته وعند ذبحه الذي يتجمد في الإناء والمصارين ويشوى، والدم الذي يمصّ من الحيوان الطيب يحرم تناوله أيضا وأكله بعد تجميده حرام، وكذلك الدم الخارج من الآدمي بقصد عرقه أو غيره كما كانت العرب تفعله في