والعرب لا تعد الخلف في الوعيد عيبا بل مكرمة وعطفا، وتعد الخلف بالوعد مذمة ونقصانا، قال قائلهم:
وإني وإن أوعدته أو وعدته ... لمخلف ايعادي ومنجز موعدي
وقال آخر:
إذا وعد السراء أنجز وعده ... وإن أوعد الضراء فالعقل مانعه
ومن هنا يفهم أن وعد وأوعد بمعنى واحد إذا صرح بالموعود به، وإلا فإن وعد للخير، وأوعد للشر. ويجوز خلف الوعيد على الله تعالى أيضا لأنه من محض الفضل، قال يحيى بن معاذ: الوعد حق العباد على من ضمن لهم إذا فعلوا ذلك أن يعطيهم، ومن أولى بالوفاء من الله وهو الآمر به؟ والوعيد حق الله على العباد فإن شاء عفا وإن شاء وأخذ. والعفو من أسمائه تعالى وقد حبّذه لخلقه وهو العفو الرحيم، وأولى الأمرين العفو، ويأبى كرمه إلا أحسنهما لخلقه اه من شرح العقد للجلال الدواني مع تصرف- «وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا» ٥٤ مخبرا عن الله فيما يأمر وينهى، وقد أرسله إلى جرهم قبيلة من عرب اليمن من قحطان بن عامر بن سائح كما سيأتي في الآية ١٣٤ من سورة البقرة في ج ٣، وقحطان أبو قبائل اليمن كلها «وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ» التي تزوجها من جرهم كما يأمر قبيلتها الذين نزلوا عليه في مكة وأباح لهم الشرب من زمزم التي أنبعها الله كرامة له وهو رضيع حين ضاق ذرع أمه مما لحقه من العطش بعد أن كبر وشرفه الله بالنبوة والرسالة «بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ» بمقتضى شريعته التي تلقاها عن أبيه ابراهيم من الصحف التي أنزلها الله عليه، وبما أوحاه له من الشريعة أيضا «وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا» ٥٥ عنه وقرىء (مرضوّوا) فقلبت الواو ياء لتطرفها بعد الواو الساكنة، فاجتمعت الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياء، وأدغمت الياء بالياء وقلبت الضمة كسرة لمناسبة الياء.
[مطلب أول من اخترع المهن وقصة إدريس عليه السلام:]
«وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ» أخنوخ بن يرد بن مهلاييل بن أنوش بن خيتان بن شيث بن آدم عليهم السلام، وبينه وبين نوح ألف سنة تقريبا، وسمي