أبو جهل على قول بعض المفسرين بأن هذه الآية نزلت فيه، وهي بعمومها تشمل كل من هو على شاكلته) شأن المغلوب على عقله الحائر في أمره مسلوب التمييز، الذي يأتمر برشد ولا يطيع المرشد، وهو أحد الأصناف الثلاثة. والثاني رجل ترد عليه الأمور فيسدّها برأيه، والثالث رجل يشاور فيما أشكل عليه وينزل حيث يأمره أهل الرأي، وكأن أبو نواس أشار إلى الأول بقوله:
اسقني حتى تراني ... حسنا عند القبيح
وذلك نهاية في الضلال «فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ» حتى يكون كذلك فتحق عليه الكلمة فيدخل فيهم «وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ» فيريه الأمور على حقائقها الحسن حسنا فيتبعه والقبيح قبيحا فيتجنبه فيوفق إلى ما وعده الله من المغفرة والأجر فيدخل الجنة.
[مطلب أصل الهدى والضلال من الله تعالى:]
واعلم أن هذه الآية تصرح بأن الضلال والهدى من الله وحده لا دخل للعبد فيهما، لأنه مقدر عليه في أصل الخلقة يؤيده قوله صلى الله عليه وسلم حينما قيل له ما فائدة العمل يا رسول الله؟ قال اعملوا فكل مسير لما خلق له. راجع تفسير أول سورة القلم المارة، وتفسير الآية ١٧ من سورة الأنعام في ج ٢، والآية ٤١ من سورة الرعد في ج ٣، وهذا ما يحله أهل السنة والجماعة خلافا للمعتزلة القائلين بخلافه، إذ لا دخل للاختيار فيما اختاره الله، تدبر. ولهذا البحث تفصيل في الآيتين ٧٧ و ٧٨ من سورة النساء في ج ٣ فراجعه، أما المصرّون على ضلالهم فهم هالكون لا محالة «فَلا تَذْهَبْ» بفتح التاء والهاء، وقريء بضم التاء وكسر الهاء، ونصب نفسك على المفعولية وعلى الأول رفعها على الفاعلية تدبر «نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ» فتكثر غمك على كفرهم وإهلاكهم يا سيد الرسل، دعهم فإنهم خلقوا أشرارا لعدم انتفاعهم بما وهبوا من العقل الذي أعطوه ليميّزوا فيه الخبيث من الطيب، ويخلصوا أنفسهم من ذلك ولهذا البحث صلة في الآية ١٢ من سورة الشعراء الآتية، وكلمة حسرات حال من نفس محمد صلى الله عليه وسلم إشارة إلى أنها كأنها