للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مطلب أقسام الخطأ ومراتب الحب ومعنى الفتى والمتكأ والإكبار:]

واعلم أن الخطأ ثلاثة أقسام: الأول أن يريد غير ما تحسن إرادته فيفعله وهذا الخطأ التام المأخوذ به، والثاني أن يريد ما يحسن فعله ولكن يقع منه خلاف ما يريد وهذا أصاب في الإرادة وأخطأ بالعمل، وعليه قوله صلى الله عليه وسلم من اجتهد فأخطأ فله أجر، والثالث أن يريد ما لا يحسن فعله ويتفق منه خلافه فهذا مخطئ بالإرادة مصيب بالفعل. وما نحن فيه راجع إلى الأول. قالوا وكان العزيز مع حلمه قليل الغيرة فقد اقتصر على هذا القول وكان عليه بعد أن قنع بخطأ زوجته أن يفعل بها ما يفعل غيره بمثلها من أهل المروءة والشرف، وقد جاء في البحر أن تربة إقليم العزيز أي في زمنه اقتضت ذلك ولكونه وثنيا لا يعبأ به، وأين هذا مما جرى لبعض الملوك في المغرب، وذلك أنه كان مع ندمائه المختصين به في مجلس أنس وجاريته تغتيهم من وراء ستار، فاستعاد بعض خلصائه ببيتين من الجارية كانت غنت بهما، فما لبث أن جيء برأس الجارية مقطوعا في دست، وقال له الملك استعد البيتين من هذا الرأس فأسقط في يده ومرض مدة حياته. ولهذا فإن المصريين تركوا المدينة التي كان فيها العزيز وشيدوا غيرها وسكنوا فيها لما هم عليه من المروءة والشهامة والغيرة، قالوا وشاع الكلام بين خدم القصر وانتقل لغيرهم كما قال الشاعر:

وكل سرّ جاوز الاثنين شاع. قال تعالى «وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ» جماعة من النساء لما سمعن الخبر من امرأة الساقي والخباز وامرأة صاحب الدواب وصاحب السجن والحاجب وغيرهن من ملازمي القصر اللاتي أشعن الخبر للنساء اللاتي اتصلن بهن من أهل المدينة، قيل هي الأقصر أو عين الشمس أو غيرهما في ذلك الزمن، وسرى الخبر لأشراف النساء من صنف امرأة العزيز وصرن يتحدثن به بكون «امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا» علقها حبه والشغاف جارة معلقة بالقلب تسمى غلافه ولسانه، يعني أن حبها دخل هذه الجلدة ووصل إلى القلب فأحاط به، فصارت مغرمة به لا تعقل شيئا سواه، وقيل الشغاف سويداء القلب، وقال الحسن باطنه، وقرىء شعفها بالعين أي حرق فؤادها حبه وعليه قول الأعشى:

<<  <  ج: ص:  >  >>