خير أهل ملتكم قالوا أصحاب موسى، وسئلت النّصارى من خير أهل ملتكم قالوا حواري عيسى، وسئلت الرّافضة من شر أهل ملتكم فقالوا أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلم، أمروا أن يستغفروا لهم فسبوهم والسّيف مسلول عليهم إلى يوم القيامة لا تقوم لهم راية ولا يثبت لهم قدم ولا تجتمع لهم كلمة، كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله بسفك دمائهم وتفريق شملهم وادحاض حجتهم، أعاذنا الله من الأهواء المضلّة.
قال تعالى «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا» فدسّوا على بني النّضير وتعهدوا لهم بالمعونة والنّصرة على الرّسول وأصحابه كما مر أول السّورة «يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً» بخذلانكم وعدم القتال معكم ولنكونن معكم «أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ»(١١) في وعدهم هذا وعهدهم لهم. ثم أقسم جل قسمه على عدم قيامهم بذلك فقال «لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ» على الفرض والتقدير «لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ» عنهم منهزمين إلى الوراء «ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ»(١٢) البتة لأن الخذلان مقدر عليهم «لَأَنْتُمْ» أيها المؤمنون «أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ» أي أن بني النّضير يخافونكم أكثر من خوفهم من الله لقلة يقينهم «ذلِكَ» إيقاع الرّعب منكم في قلوبهم دون ربكم «بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ»(١٣) عظمة الله ولو علموها لخافوا الله أكثر منكم. واعلموا أنهم «لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً» أي اليهود والمنافقون «إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ» لشدة جبنهم وخوفهم منكم، فلا يبرزون إلى ميدان القتال ولا يقدرون على مقابلتكم فيه ولكنهم إذا قاتلوا بعضهم يكون «بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ» لسوء طويتهم وشدة حقدهم بعضهم على بعض ولكن إذا قاتلوكم جبنوا وألقي في قلوبهم الرّعب منكم لما أوقع الله في قلوبهم من هيبتكم «تَحْسَبُهُمْ» أيها الرّائي عند ما تراهم «جَمِيعاً» متحدين مؤتلفين كلا بل هم متفرقون متنافرون «وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى» متفرقة يبغضون بعضهم ويتحاسدون على القليل والكثير، وهذه الواو للمحال أي والحال على خلاف