انعدام الأخيرية في النار معلوم، والقصد توبيخ الكفرة المقصودين بالآية السابقة وأمثالهم وتقريعهم على ما هم متلبسون به، قال تعالى «وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ» كالملائكة وعيسى بن مريم وعزير عليهم السلام والإنس والجن والأوثان والشمس والقمر والكواكب والحيوان.
[مطلب استعمال من لمن لا يعقل وما لمن يعقل وبراءة المعبودين من العابدين:]
ذلك لأن لفظ (ما) هنا يتناول العقلاء وغيرهم باعتبار الوصف، وفي كل محل يراد بها الوصف لا تخص بالعقلاء، وقد تأتي على قلّة فيهم كما تأتي من على قلّة في غير العقلاء، راجع آية السجدة من سورة النحل، والآية ٥٣ من سورة يوسف في ج ٢، وآية السجدة من سورة الحج في ٣، كما سنبينه في تفسير هذه الآيات إن شاء الله، لذلك كان المراد في هذه الآية نحشرهم ومعبوديهم جميعا بدليل قوله تعالى (ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ) الآية ٤٠ من سورة سبأ في ج ٢، وقوله تعالى (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ) الآية ١١٦ من سورة المائدة في ج ٣، وقوله تعالى (وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ) الآية ١٢ من سورة إبراهيم في ج ٢، وقوله تعالى أيضا «فَيَقُولُ» الله عز وجل للمعبودين كلهم، لأن إطلاق الآية يفيده «أَأَنْتُمْ» غلب العقلاء بخطابه على غيرهم. وقد سبق أن ذكرنا أن الله تعالى ينزل في بعض خطابه ما لا يعقل منزلة من يعقل، وقد يجعله عاقلا لفهم مراده، وهو القادر على أكثر من ذلك، راجع الآية ٦٥ من سورة يس المارة «أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ» في الدنيا يفيد هذا الخطاب الجليل والإشارة العظيمة أنه عزت قدرته جعل المعبودين صفّا والعابدين صفّا مقابلا ليسمع كل منهم خطاب الآخر وخطاب ربه عند مقابلتهم بعضهم ببعض، أي أأنتم دعوتم هؤلاء لعبادتكم «أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ» بأنفسهم لإعراضهم عن الذين أرسلناهم لإرشادهم فلم يسلكوا طريقهم لعدم استعمالهم النظر الثاقب في ملوكيتنا والفكر الصحيح في عبادتنا «قالُوا» المعبودون، وهو أعلم بما يقولون وإنما السؤال والجواب عبارة عن التبكيت بهم