وإطلاع الأمم على ما سيقع منهم، فابتدءوا بالتنزيه لحضرته المقدسة قائلين «سُبْحانَكَ» أن يكون معك آلهة أو أن يدعى غيرك أو يعبد أحد دونك كيف وأنت يا ربنا إله الكل، وكيف يجدر بالعاجزين أمثالنا ادعاء الربوبية القاهرة لكل شيء ونحن من جملة المقهورين لربوبيتك وعزتك يا ربنا «ما كانَ يَنْبَغِي لَنا» أن نجرا على ذلك ولا على «أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ» فكيف ندعو الغير إلى ولاية غيرك ونحن عبيدك المخلصون وكيف نأمرهم بعبادتنا أو نحملهم على أن يتولوا أحدا غيرك من دونك «وَلكِنْ» يا مولانا هؤلاء هم الغافلون بطبيعتهم لأنك يا ربنا «مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ» من قبلهم بالنعم وطول العمر على ما هم عليه من الجحود والكفر «حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ» وغفلوا عن الإيمان بذكرك ولم ينتبهوا إلى من ذكرهم به من المرشدين وظنوا أن ما هم عليه حسن، فتشبثوا به ولم يقلعوا عنه «وَكانُوا» في ذلك «قَوْماً بُوراً» ١٧ بائرين جمع بائر مثل عائدين جمع عائد، وأولوه بمعنى هالك، أي أنهم هلكوا إذ غلب عليهم الخذلان، وذلك أن بورا مصدر وصف به الفاعل مبالغة فينوى فيه الواحد والجمع قال:
فلا تكفروا ما قد ضنعنا إليكم ... وكافوا به فالكفر بور لصانعه
وقال ابن الزبيدي:
يا رسول المليك إن لساني ... راتق ما فتقت إذ أنا بور
ثم يقول تعالى للعابدين بعد أن أسمعهم قول معبوديهم على زعمهم مواجهة انظروا «فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ» من زعم هؤلاء أنهم آلهة وأنهم دعوكم في الدنيا لعبادتهم فما تقولون؟ وهذا زيادة في التقريع والتوبيخ فيصمتون، ثم يخاطبهم الله تعالى بقوله «فَما تَسْتَطِيعُونَ» الآن «صَرْفاً» أي دفع العذاب عنكم بوجه من الوجوه كما يقتضيه التنكير، أي لا بالذات ولا بالواسطة «وَلا نَصْراً» ١٨ لكم ولا عونا من أحد، أي لا أنتم ولا الذين اتخذتموهم آلهة، فكلاكما بالضعف والعجز سواء، وقرىء بالياء، وعليه يكون المعنى فما يقدرون هؤلاء الذين عبدتموهم في الدنيا بصورة من الصور ولا بنوع من الأنواع، دفع العذاب عنكم بأنفسهم