وليس لهم أعوان بذلك، فهم عاجزون أنفسهم وغيرهم أعجز، ثم التفت جل شأنه بخطابه إلى كافة المكلفين فقال «وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ» نفسه أيها الناس فيشرك به «نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً» ١٩ على شركه، لأن يظلم هنا بمعنى يشرك لذلك عظم عذابه، إذ لا يكون العذاب الكبير إلا على الشرك، لأن مطلق الظلم لا يستوجب ذلك، وقد سمى الله الشرك ظلما بقوله (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) الآية ١٢ من سورة لقمان في ج ٢، ولأن من الظلم ما هو كبيرة يفسق بها مرتكبه، والفاسق لدى أهل السنة والجماعة لا يخلد بالنار، والمراد بقوله تعالى كبيرا أي مخلدا فيصرف هنا بسبب هذا القيد إلى الشرك، ولا قيمة لقول من يقول إن مرتكب الكبيرة يخلد في النار لمخالفته إجماع الأمة وما عليه عقائدهم، قال صاحب الشيبانية:
ولا تبصر في نار الجحيم موحدا ... ولو قتل النفس الحرام تعمدا
أي دون استحلال لأنه به يكفر فيخلد إذا لم يتب. وسيأتي لهذا البحث صلة في تفسير الآية ٧٢ من سورة مريم الآتية، ثم التفت جلت عظمته إلى حبيبه صلى الله عليه وسلم ليسليه عما قلوه فيه «وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ» مثلك لأن هذا من شأن البشر فلا مبرر لهم أن يعيروك فيه لانك لم تدع غير البشر به كي يتوجه إليك قولهم.
ولأن جميع الرسل قبلك كان هذا شأنهم ولك بهم أسوة، وبما أن ذلك كان عادة مطردة مستمرة لا يستغنى عنها البشر فليست محلا للطعن، وهذا الخطاب وان كان موجها لحضرة الرسول إلا أنه جاء بمعرض الرد لقومة فكأنه قال قل لهم هكذا ولا تلتفت إلى تقولهم «وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً» بلاء ومحنة واختبارا وامتحانا، قالوا نزلت هذه الآية في ابتلاء الشريف بالوضيع، وذلك أن الشريف إذا أراد أن يسلم رأي الوضيع أسلم قبله فيقدم عليه بالإسلام فيأنف عن الإسلام محتجّا بسابقته والفضل له عليه، فيصر على كفره، ولم يعلم أن التفضيل يكون بالأعمال الصالحة والآداب الكاملة، لا بمطلق الإسلام فذلك افتتان بعضهم ببعض، وقال غير واحد إنها نزلت في الذين عيّروا حضرة الرسول