الآية تسلية لحضرة الرسول عند ما تجرّأ عليه قومه وسلطوا عليه السفهاء والعبيد بعد وفاة عمه أبي طالب وزوجته خديجة رضي الله عنها يخبره فيها أن عادة الكفار قديما التعدي على أنبيائهم وإساءة الأدب معهم، فلك أسوة بهم وعليك أن تصبر على أذاهم وجفاهم كما صبر من قبلك «كَذلِكَ» مثل ما سلكنا الضلال والكفر والتكذيب للرسل والاستهزاء بالذكر في قلوب فرق الأولين، فإنا أيضا «نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ ١٢» من قومك لأنهم أشر وأكفر من غيرهم، والشيعة أتباع الرجل وفرقته إذا اتفقوا على مذهب واحد وطريقة واحدة. ومعنى السلك النفاذ وهو إدخال الشيء بالشيء كالخيط بالإبرة.
[مطلب عدم وجوب الصلاح على الله والبروج ومواقعها ومعانيها:]
وهذه الآية حجة على المعتزلة القائلين في وجوب خلق الأصلح للعبد على الله تعالى خلافا لاعتقاد أهل السنة والجماعة، قال في جوهرة التوحيد:
وما قيل إن الصلاح واجب ... عليه زور ما عليه واجب
وقال في بدء الأمالي:
وما ان فعل أصلح ذو افتراض ... على الهادي المقدس ذي التعالي
وقال الواحدي: قال أصحابنا أضاف الله سبحانه إلى نفسه إدخال الكفر في قلوب الكفار وحسن ذلك منه، فمن آمن بالقرآن فليستحسنه، ومن قال إنه لم يجر للضلال والكفر ذكر في هذا اللفظ، فكيف تضيفون الضمير في نسلكه إليه، هو قول مردود لأنه تعالى قال (وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) فالضمير في به عائد إلى الرسول والضمير في نسلكه عائد إلى الاستهزاء، والاستهزاء بالرسول كفر وضلال، فثبت صحة للقول بأن الذي يسلك في قلوب المجرمين هو الكفر والضلال، وقد بينّا في الآية ١٢ من سورة يونس والآية ١٠٠ من سورة يوسف المارتين ما يتعلق في هذا البحث فراجعهما، وإنما نسلكه في قلوبهم لأنهم «لا يُؤْمِنُونَ» أولئك الكفرة «بِهِ» بالذكر المنزل عليك، وهو القرآن «وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ ١٣» التي سنها الله لعباده في عدم إيمان الكافرين الذين سبق في علمه أذلّا أنهم يموتون كفارا وأنهم يهلكون بعذاب منه، لأنهم