والسكون باعتبار النفس المنسلخة الممتثلة بما شاء الله، لا ينافي الجرم المعروف، بل لو كان السجود والسكون نصف النهار في خط الاستواء لم يضر أيضا بالنسبة لكل مدينة ولا يضر فيه كونها طالعة إذ ذاك في أفق آخر، إلا الذي يغلب على الظن ما يأتي بعد في تفسير قوله تعالى «وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ» وإذا علمت هذا تيقنت أن لا تعارض بين الحديث الصحيح المار ذكره في الشمس وبين كلام أهل الهيئة وما يقتضيه الحس أيضا والله أعلم اهو من روح المعاني وغيره بتصرف واختصار وتبسط «ذلِكَ» الجري البديع والمستقر الشان «تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ» ٤٨ به بحساب يكل النظر عن استخراجه وتتحير الافهام في استنباطه، لانه فعل الغالب بقدرته على هذا الجريان حسبما تفتضيه إرادته، فانظر رعاك الله في هذين الشخوص والهبوط المستمرين في الكون على المنوال المذكور في هذه الآية الكريمة، وتفكر هل كان أحد في عهد نزول
القرآن العظيم اطلع عليها وهل علمها أحد قبل إنشاء المراصد الفلكية واختراع المكبرات الرصدية غير صانع هذا الكون وبارئه على غير مثال سابق. وقد أخبرنا به المنزل عليه محمد صلى الله عليه وسلم منذ أربعة عشر قرنا عن ربه عز وجل، ولا أبين من بيان الله في حق هذا القرآن الجليل، كيف لا وقد قال فيه (تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) الآية ٩٠ من سورة النحل في ج ٢، قال تعالى «وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ» جمع منزلة والمراد بها المسافة التي يقطعها القمر في يوم وليلة وهو لا يتعداها من أول ليلة إلى الثامن والعشرين ثم يستكن ليلة إذا كان تسعا وعشرين وليلتين إذا كان ثلاثين يوما.
[مطلب منازل الكواكب وكيفية جريانها:]
وقال أهل الهيئة إن المنازل سبعة وعشرون وثلث، وقد حذفوا الثلث لنقصه عن النصف كما هو مصطلح المنجمين. ويراد بالمنازل والله أعلم مواقع النجوم التي نسبت إليها العرب الأنواء الممطرة، وهي ثمان وعشرون منزلة: