للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مطلب معنى الطمس وعدد الآيات وأن الأنبياء لم يدعوا على أممهم إلا بعد اليأس منهم:]

ثم أنه لما رأى موسى عليه السلام إصرارهم على الكفر ولم ينجع فيهم نصحه، ولم يتيقظوا لصبر الله عليهم، ولم يؤثر فيهم ما أظهره لهم من المعجزات على يد رسولهم، ركن إلى الدعاء عليهم بعد أن أيس منهم، فقال «رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ» أهلكها وأذهب آثارها وامحقها لأنهم يستعينون بها على معصيتك والطمس المحو وإزالة الأثر للشيء، قال قتادة بلغنا أن زروعهم وأموالهم وجواهرهم صارت حجارة. وقال ابن عباس، إن دراهمهم ودنانيرهم صارت حجارة منقوش عليها نقشها كهيئتها صحاحا وأنصافا وأثلاثا. وقيل إن عمر بن عبد العزيز دعا بخريطة فيها شيء من بقايا آل فرعون فأخرج منها البيضة منقوشة وهي حجارة، والجوزة مشقوقة وهي حجارة راجع الآية ١٠١ من الإسراء في ج ١ والأولى أن يراد بهذا الطمس إتلافها وذهاب منافعها وهو أولى، والله أعلم، لتدخل في جملة الآيات التسع المشار إليها في الآية المذكورة من سورة الإسراء، إذ لا يتجه عدها منها على رأي بعضهم بالمعنى الأول، أي قلبها حجارة مع بقاء وصفها، هذا وقدمنا في الآية ١٤٣ من الأعراف في ج ١ ما يتعلق بهذا فراجعها يتبين لك أن هذه ليست من الآيات التسع، وأن الآيات تسع عشرة، منها ما هو خاص بموسى، ومنها ما هو خاص بالقبط، ومنها ما هو خاص ببني إسرائيل قبل خروجهم من مصر وبعد خروجهم، وما قيل إن صورهم صارت حجارة لا وجه له، لأنه عليه السلام دعا على أموالهم لا عليهم، وكان عذاب القبط بالغرق لا بالمسخ. واعلم أن النبي لا يدعو على قومه ما زال يأمل إيمانهم، ولم يدع عليهم إلا بإشارة من الله تعالى، وأول من دعا على قومه نوح عليه السلام، وذلك بعد أن أوحى إليه ربه بقوله جل قوله (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ) الآية ٣٦ من سورة هود الآتية، فراجعها تعلم منها أنه يئس من إيمانهم فدعا عليهم، وهكذا موسى وغيره ومن قبله وبعده لأنهم أشفق على أمتهم من الأب على ولده، ولذا قال صلى الله عليه وسلم اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون حينما تعدوا عليه وآذوه

<<  <  ج: ص:  >  >>