«وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ» اربطها وقسّها حتى لا تلين للإيمان ولا تنشرح له، وهذه الجرأة من سيدنا موسى بعد أن أيّسه الله من إيمانهم، وإنما قال ما قال لعلمه أن الله تعالى وتعظم يفعل ذلك لمن يشاء، ويحكم به لمن يريد، ثم علل قساوته هذه بقوله «فَلا يُؤْمِنُوا» وهم على حالتهم هذه من الرفاه والصحة، وسيضلون متمادين في الضلال «حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ ٨٨» وكان ذلك، فإنهم لم يؤمنوا حى داهمهم الغرق، فكان إيمانهم إيمان يأس حالة يأس، فلا يقبل ممن آمن منهم أو من غيرهم في هاتين الحالتين، قال في بدء الأمالي:
وما إيمان يأس حال بأس ... بمقبول لفقد الامتثال
فظهر أن دعاء موسى هذا بهذه الشدّة موافق لقضاء الله تعالى وقدره عليهم في الأزل، وقد ألهمه الله إياه، ولما كان هارون عليه السلام يؤمن على دعاء موسى خاطبهما بقوله عز قوله «قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما» لأن التأمين دعاءه، ومنه يعلم أن دعاء الإمام دعاء للمأموم، وقراءته قراءة له أيضا. واعلم أن معى آمين اللهم استجب فحال الله تعالى بين فرعون وقومه، وبين الإيمان حتى أدركهم الغرق، إجابة لدعائهما الموافق لما هو في علم الله، لأن الناس جارون على تطبيق ما هو كائن في الأزل، وما هم إلا مظاهر له «فَاسْتَقِيما» على ما أنتما عليه واثبتا على الدعوة وامضيا لأمركما ولا تستعجلا في إجابة دعوتكما، فإنها مجابة لا محالة، ولكن بوقتها المحتوم الذي لا يتبدل. قالوا وكان بين الدعوة والإجابة أربعون سنة، ومن هنا قيل أن أقل صبر الله على الظالم أربعون سنة، على أنه قد يجيب الدعاء حالا في بعض الأحيان، وهو لا يسأل عما يفعل من تقديم الإجابة وتأخيرها «وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ٨٩» حكمة إمهالنا لمن عصانا وانجاز وعدنا لمن دعانا، وهذا النهي لا يدل على صدور النهي عنه من موسى وهرون، كما أن قوله تعالى (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) الآية ٦٥ من سورة المؤمن الآتية لا يدل على صدور الشرك من محمد صلى الله عليه وسلم لأنه مستحيل عليه بل مجرد تأكيد امر الوعيد، وقد كثر أن ينهى الشخص عما يستحيل وقوعه منه زجرا للغير، والإفادة بأن في تأخير الدعاء حكما إلهية وتعليما للأمة بعدم طلبهم