هذه الآية إلى تحريم ذلك كله وتحذير النّاس من استحلال شيء منه لما فيه من إهانة البيت الواجب تعظيمه الذي جعله الله أمنا للناس ومخالفة أمر الله في ذلك.
مطلب في النّسخ والحرمات وأسباب تحريمها والأنصاب والأزلام وغيرها والآية المستثناة:
قال علماء النّاسخ والمنسوخ لم ينسخ من المائدة إلّا هذه الآية، والنّاسخ لها قوله تعالى (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) الآية ٥ من التوبة فتكون ناسخة لقوله تعالى (لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ) الآية المارة فقط، وإن قوله (وَلَا آمِّينَ) الفقرة منها منسوخة بقوله تعالى (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) الآية ٣٠ من التوبة أيضا. وقال بعضهم لم ينسخ منها إلّا جملة (وَلَا آمِّينَ) والنّاسخ لها الآيتان المذكورتان من التوبة الآتية. وقال بعضهم لم ينسخ إلّا كلمة القلائد لأنها من أعمال الجاهلية لأنهم كانوا يقلدون الهدي بشيء من لحاء الشّجر وشبهه، وقد ترك هذا بالإسلام. والقول الحق أن لا نسخ لشيء من ذلك أبدا كما ذهب إليه الواحدي وجماعة من علماء التفسير. وهذه الآية كلها محكمة كسائر السّورة، ومما يرد على القائلين بالنسخ هو أن الله تعالى لم يندبنا إلى إخافة من يقصد بيته من أهل شريعتنا، لا في الشّهر الحرام ولا في غيره، وهو الأوجه، لأن الآية مطلقة وليس لنا أن نقيدها بغير المؤمنين فنصرفها عن ظاهرها ونقول بالنسخ، ولأن آية براءة في المشركين خاصة فنصرفها إليهم كما صرفها الله، لأن المشرك لو قلد نفسه بجميع ما يدل على الشّعائر الإسلامية لا يؤذن له بالدخول إلى المسجد الحرام بعد نزول تلك الآية وإلى الأبد حتى يسلم، والقول الحق هو أنه ما دام يوجد للآية محمل على إحكامها فلا يليق أن نصرفها لغيره وننتحل طرقا للنسخ فنخرج عن صدد ما ترمي إليه آيات الله، فرحم الله علماء النّاسخ والمنسوخ ما أغلاهم فيهما، ولو صرفوا جهدهم هذا لغيره لكان خيرا لهم «وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا» هذا أمر إباحة كقوله تعالى (وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) لأن الله حرم الصّيد على المحرم حالة إحرامه بالحرم وحرم البيع حالة النداء إلى الجمعة، فإذا أحل المحرم جاز له الصّيد كما إذا قضيت الصّلاة حل له البيع، راجع آخر سورة الجمعة المارة «وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ» يحملنكم ويكسبنكم