(الخرّيت الماهر في الدلالة) قد غمس حلفا في آل العاص بن وائل السهمي (أي أخذ نصيبا من حلفهم وعهدهم) وهو على دين كفار قريش، فآمناه ودفعا إليه راحلتيهما، وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال، فأتاهما صبح ثلاث، فارتحلا، وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل الديلي، فأخذ بهم طريق الساحل، وفي هذا قال الأبو صيري ينعى حال قريش وقبح صنيعهم مع حضرة الرسول صلّى الله عليه وسلم:
ويح قوم جفوا نبيا بأرض ... ألفته ضبابها والضباء
أخرجوه منها وآواه غار ... وحمته حمامة ورقاء
وجفوه وحن جذع إليه ... وقلوه ووده الغرباء
وكفته بنسجها عنكبوت ... ما كفته الحمامة الحصداء
واختفى منهم على قرب مرآ ... هـ من شدة الظهور الخفاء
الأبيات من قصيدته التي قل أن توجد قصيدة مدح يبلاغتها وجمعها للمعاني، ولهذا قالوا ما مدح خير البرية بأحسن من البراءة والهمزية، وكلاهما له رحمه الله.
مطلب قصة سراقة بن مالك الجشعمي حين الحق رسول الله صلّى الله عليه وسلم:
قال ابن شهاب فأخبرني عبد الرحمن بن مالك المدلجي وهو ابن أخي سراقة ابن مالك بن جشعم أن أباه أخبره أنه سمع سراقة بن مالك بن جشعم يقول: جاءنا رسول كفار قريش لما هاجر رسول صلّى الله عليه وسلم إلى المدينة ومعه صديقه رضي الله عنه، يخبرنا أنهم أرسلوا في أثرهما الرسل، وبئوا العيون، ونصوا الأشراك، وأقاموا الأرصاد ليحولوا دون هجرته، فلم يظفروا به، وأنهم جعلوا جائزة قدرها مئة ناقة لمن يقتل أحدهما أو يأسره، ومئتان لمن يقتلهما أو يأتي بهما، قال سراقة فيلنا أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مدلج أقبل رجل منهم حتى قام علينا ونحن جلوس، فقال يا سراقة إني قد رأيت أسودة بالساحل (أي أشخاصا) أراهما محمدا وأصحابه، قال سراقة فعرفت أنهم هم، فقلت له إنهم ليسوا هم، ولكنك رأيت فلانا وفلانا انطلقوا بأعيننا يبتغون ضالة لهم، ثم لبنت في المجلس ساعة، ثم قمت، فدخلت البيت فأمرت جاريتي أن تخرج الفرس وراء الأكمة (هي التل المرتفع) فتحبسها علي، وأخذت رمحي، فخرجت من ظهر البيت كي لا يراني أحد، لأختص