ولهذا صحت الإشارة إليها لانها متقدمة في النزول على هذه كما ألمعنا إليه هناك، وإلا لما صحت الإشارة إليها، تدبر. وهذا من جملة الأسباب الداعية لترتيب هذا التفسير على حسب النزول، وقد يطلق على كل سورة من القرآن لفظ كتاب كما تقدم أول سورة هود في ج ٢، وكرر لفظ الكتاب كثيرا في القرآن العظيم وخاصة أوائل السور المبدوءة بالحروف المقطعة وهو لفظ محبوب لكل كتاب، وفيه قال:
نعم الأنيس إذا خلوت كتاب ... تلهو به إن فاتك الأحباب
لا مفشيا سرا إذا استودعته ... وتنال فيه حكمة وصواب
فالسعيد الذي يتخذه رفيقا ليله ونهاره حضره وسفره ويغتني عن أصحاب السوء ومجالس اللهو المؤديين لسوء العاقبة وقبح السمعة، إذ قل أن تجد صديقا صادقا ومجلسا سارا. ثم بين هذا المنزل المشار إليه في قوله عزّ قوله «أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ» إذا قعدتم معهم حينما يخوضون بآيات الله، لأنكم تعدون راضين بهم وبما يخوضون فيه، وإلا لما جلستم معهم إذ الراضي بالشيء كفاعله فتصيروا منافقين اخوان الكافرين ويكون لكم ما لهم عند الله «إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً»(١٤٠) لاجتماعهم على الكفر أنزل الله هذه الآية في النهي عن مجالسة المنافقين في المدينة، كما أنزل آيات الأنعام المذكورة في النهي عن مجالسة الكافرين في مكة، والغاية واحدة، ولذلك جاءت مؤكدة لها ومعطوفة عليها في المعنى. وتدل هذه الآية على أن من رضي بالكفر فهو كافر، ومن رضي بمنكر كان كمن فعله فينبغي للعاقل أن يبتعد عن أهل الأهواء والغواة، لأن مخالطتهم لا تخلو عن الإثم. وقد بينا ما يتعلق في هذا البحث هناك فراجعه.
ثم وصف الله المنافقين بوصف آخر فقال «الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ» الحوادث والدوائر لشدة حقدهم عليكم وحسدهم لكم «فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ» نصر وظفر وغنيمة «مِنَ اللَّهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ» في الغزو فأعطونا نصيبنا، إذ لا هم لهم إلا الدنيا، فهم مهمو كون بها أبدا «وَإِنْ كانَ