بهم تشير هذه الآية إلى عظيم فضل الله، وجليل رحمته، وكبر كرمه، وسعة مغفرته، وكثرة لطفه على عباده وعطفه عليهم إذ تكفل لمن هذا شأنه بالعفو، ومن كان الله كفيله فهو تاج رابح، وتقدم ما يتعلق بعظيم فضل الله وعفوه في الآية ١٦٠ من الأنعام المارة، وفيها ما يرشدك إلى المواقع المتعلق بها هذا البحث فراجعها. ونظير هذه الآية الآية ١٧ من سورة النساء في ج ٣، «إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً» لاجتماع صفات الكمال والخير فيه وتلبسه بالأخلاق الحميدة، وهذه الصفات قد لا توجد في شخص واحد ولهذا سماه الله أمة:
وليس على الله بمستنكر ... أن يجمع العالم في واحد
ولأنه كان وحده مؤمنا بالله والناس كلهم كافرون، ومن هذا قوله صلّى الله عليه وسلم في زيد بن عمرو بن نفيل يبعثه الله أمة وحده. لمفارقته الجاهلية وما كانت عليه من عبادة الأوثان وهي جارية مجرى كلام العرب. يقولون فلان رحمة وفلان نسّابة، إذا كان متناهيا في المعنى الموصوف به «قانِتاً» خاضعا مطيعا «لِلَّهِ» وحده «حَنِيفاً» مائلا عن كل دين إلى دين الإسلام، وهو أول من اختتن وضحى وأقام مناسك الحج «وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ» ١٢٠ قط لأنه من صفره نشأ على التوحيد فكان مؤمنا بالله مخلصا له وكان في جميع أحواله
«شاكِراً لِأَنْعُمِهِ» كلها التي منها توفيقه للإيمان ونصرته على عدوه بالحجة الدامغة وانجاؤه من النار، ولهذه الخصال الكريمة «اجْتَباهُ» ربه للنبوة وشرفه بالرسالة واصطفاه للخلة «وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» ٢٢١ في أقواله وأفعاله ووفقه لدين الإسلام وطريقه القويم «وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً» بأن جعلنا ذكره فيها دائما مثمرا حسنا عند كل ملة وأمة، فلا تجد قوما إلا ويعرفوه بفضله ويذكرونه بالخير، هكذا كان عليه الصلاة والسلام في الدنيا «وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ» ١٢٢ للقاء الله ولأعلى مقامات الجنة «ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ» يا سيد الرسل في هذا القرآن الكريم «أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ» ١٢٣ لأن ملته ودينه هو الحق وكل محق يدين بدينه، وقيل في هذا:
كل يدين بدين الحق لو فطنوا ... وليس دين لغير الحق مشروع