حتى إذا نزل بهم الموت تابوا، ولا تقبل التوبة عنده. ولا حال اليأس كما بينته في الآية المذكورة قال في بدء الأمالي:
وما إيمان شخص حال يأس ... بمقبول لفقد الامتثال
وقد علم أنهم لم يتوبوا قبل نزول الموت، لذلك قال لن تقبل توبتهم، وإنما يظهرونه نفاقا إيمانا كان أو توبة ولا قيمة لهما عند الله، لأنه لا يقبل إلا الخالص من الإيمان والنصوح من التوبة، وهؤلاء فضلا عن أنه لا يقبل توبتهم فإنه يزيدهم وبالا على وبالهم إذ لا تقبل توبة من أقام على شرك أو نفاق حتى يقلع عنهما أو يتوب توبة خالصة قبل وقت الحشرجة بأن يكون له أمل بالحياة،
قال تعالى «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ»(٩١) ينصرونهم ويخلصونهم من ذلك. ومن المعلوم أن أحدا لا يملك يوم القيامة شيئا ولا يقبل منه الفداء على سبيل الفرض بأنه يقدر عليه لينجي نفسه من عذاب الله، فلو أمكنه التقرب إلى الله بخلاصه مما حل به بملء الأرض ذهبا لفعل، وأنّى له ذلك؟
روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال يقول الله عز وجل لأهون أهل النار عذابا يوم القيامة لو أن لك ما في الأرض من شيء أكنت تفتدي به؟
فيقول نعم، فيقول أردت منك أهون من ذلك وأنت في صلب آدم أن لا تشرك بي شيئا فأبيت إلا الشرك. ألا فلينتبه العاصون، ألا فليحذر اللاهون، ألا فليتفطن الغافلون، وليشتروا أنفسهم من عذاب الله حال قدرتهم عليه، ولينفقوا من أموالهم قبل أن يتركوها لغيرهم ويلقون وبالهم عند الله وحدهم. تشير هذه الآية إلى مصير الذين يموتون على كفرهم والعياذ بالله بأن هذا مصيرهم، وأن ما أسلفوه من عمل لا عبرة به لأن الشرط بحصول الثواب على الأعمال هو الإسلام والإيمان، وترمي إلى أن العبرة بخواتيم العمر فمن مات مؤمنا فقد نجا والله أولى بأن يعفو عنه، ومن مات على كفره فقد هلك ولا ناصر له من الله، وهذه الآيات من ٨٤ إلى هنا تضاهي الآيات من ١٣٤ إلى ١٤٠ ومن ١٥٩ وإلى ٦٢. من سورة البقرة. قال تعالى «لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ» أيها الناس ولن تعطوا الخير الكثير والإحسان الجزيل فتعدوا