إلى أرض الشام ثم إلى الأراضي المقدسة ولما استقر به الحال سئل ربه الولد ليكون خليفة له في أرضه فقال «رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ١٠٠»
فأجاب الله دعاءه بقوله «فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ ١٠١» كامل الخلقة والخلق لولاية عهده ولارشاد الخلق لخالقهم كي يعبدوه واعلم أن هذه الآية انطوت على أربع بشارات حمل زوجته وأن الحمل ذكر وأن يبلغ الحلم وأنه يكون حليما ومن عظيم حلمه ما قص الله عنه بقوله «فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ» وصار يقدر على المشي والشغل «قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى» وهذه المشورة من إبراهيم عليه السلام لابنه إسماعيل ليعلم ما عنده فيما نزل به من البلاء ليختبر صبره على أمر الله وعزيمته على طاعته لا يرجع لأمره ورأيه، لأنه جازم في تنفيذ ما أمر به في رؤيا لان رؤيا الأنبياء عليهم السلام حق، فإذا رأوا شيئا فعلوه، وإنما كان الأمر بالمنام لأنه في نهاية المشقة وغاية الشدة على الذابح والمذبوح فكان كالتوطئة «قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ١٠٢» على تنفيذ أمر الله وإنما علق قوله بالمشيئة على سبيل التبرك لا غير، إذ لا حول عن المصيبة إلا بعصمة الله ولا قوة على الصبر عليها إلا بتوفيق الله.
واعلم أن هذه الآية الوحيدة التي استدل بها بعض الأصحاب والتابعين على أن الذبيح هو إسحاق، إلا أن الآيات غيرها تدل على أنه إسماعيل عليهما السلام وهو الصحيح كما سيأتي في القصة. هذا وأن بعض الناس أنكر أن يكون للكواكب تأثيرا في هذا الكون غير الضياء في المواقع التي تطلع عليها، وهذا فيه تفريط إذ بعضهم زعم أن لها تأثيرا في السعد والنحس وسعة العيش وضيقه وطول العمر وقصره، وهذا فيه إفراط، وبعضهم قال إن لها تأثيرا ما يجري على الأمر الطبيعي مثل أن يكون البلد القليل العرض. ومزاج مائل عن الاعتدال إلى الحر واليبس وكذلك مزاج أهله، إذ تكون أجسامهم ضعيفة وألوانهم سودا وخضرا كالنوبة والحبشة وأن يكون البلد الكثير العرض ذا مزاج مائل عن الاعتدال إلى البرد والرطوبة وكذلك مزاج أهله حيث تكون أجسامهم عبلة وألوانهم بيضا وشعورهم شقرا كالترك والصقالبة، ولها أيضا تأثير في نمو النبات واشتداده ونضج ثمره وتلوينه