للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذ يطلعه على ما في قلوبهم «وَما يَشْعُرُونَ ٩» أن الله تعالى يوحي لرسوله حقيقة حالهم وما يسرون من أقوالهم ويعلنون منها، ولا يعلمون أن وبال عملهم هذا راجع عليهم بالفضيحة بالدنيا والعذاب بالآخرة، والذين هذه صفتهم يكون «فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ» شك وشبهة. وأصل المرض الضعف والخروج عن حد الاعتدال الخاص بالناس، ولهذا فإن أكثر أهالي دمشق يعبرون عن المريض بالضعيف، وسمي الشك في الدين والنفاق مرضا لأنه يضعف الدين، كما أن المرض يضعف البدن، وكذلك الفكر لما قيل فكر ساعة يهضم عافية سنة، فهذا الذي يحصل لهم يضعف دينهم وأبدانهم، أجارنا الله تعالى من ذلك «فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً» أشغل قلوبهم به لأنهم كلما كفروا بآية ازداد كفرهم وكثر بلاؤهم وضاق صدرهم «وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» زيادة على مرضهم الذي يحرك في صدورهم ويحز قلوبهم من شدة الحسد للمؤمنين فتشتعل أفئدتهم غيظا «بِما كانُوا يَكْذِبُونَ ١٠» في أقوالهم الصدرية المذكورة،

ثم بين نوعا آخر من أفعالهم القبيحة فقال جل قوله «وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ» بتهيج الفتن وإثارة كوامن القلوب من الأحقاد القديمة بين الناس مما يؤدي لقتالهم بعضهم مع بعض، وذلك أنهم يذكرون ما وقع بين أجدادهم من الأحداث ليغتاظ أحقادهم، فيتكلمون بما معناه الانتقام، فتثير ثائرة المظلومين على الظالمين بما يؤدي لوقوع القتال بينهم بسبب إثارة الضغائن القديمة. والإفساد خروج الشيء عن استقامته والانتفاع به، وضده الإصلاح «قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ ١١» بعملنا لأنا نداري به المؤمنين والكافرين معا، فكذبهم الله بقوله عز قوله «أَلا» تنبيه ليتيقظ المخاطب «إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ» لأنهم يجالسون الكفرة ويفشون لهم أسرار المؤمنين ويغرونهم عليهم.

والمدارة ليس كما زعموا لأنها جائزة إذا كانت لمنفعة مشروعة كالإصلاح بين الناس، على أن لا تضر بالدين، أما إذا كانت غير جالبة لمنفعة ولا دافعة لمضرة فتكون من قبيل بيع الدين بالدنيا، وذلك حرام، لأنها تكون مداهنة راجع الآية ٩ من سورة نون في ج ١، وان عملهم ذلك ليس من هذين القسمين وإنما هو بقصد إثارة الفتن ونقض الجروح القديمة وتهيبج الخواطر بين الناس مما قد يؤدي إلى القتل،

<<  <  ج: ص:  >  >>