في الصدر وجعلهما حائلين عن سماع الدعوة النبوية وفهم منافعها ورؤية حقيقتها ما دام مختوما عليها فلا يعونها «وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ» لئلا يروا داعي الحق ولا يلتفتوا لقوله ولا يصغوا لرشده ونصحه لسابق سقائهم «وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ٧» لصرفهم هذه الجوارح لغير ما خلقت لها اختيارا ورغبة، فلذلك حرموا منافعها.
قال تعالى «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ» أي بألسنتهم نفاقا ليبينوا لحضرة الرسول وأصحابه أنهم معهم وقد أبطنوا الكفر بذلك والجحود له.
نزلت هذه الآية وما بعدها في المنافقين من المشركين واليهود كعبد الله بن أبي بن سلول ومعقب بن قشير وعبد بن قيس وأضرابهم، ولذلك وصفهم الله تعالى بالنفاق لأن من يقول بلسانه ما ليس في قلبه فهو منافق، ولهذا أكذبهم الله بقوله عز قوله «وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ٨» حقيقة، لأن العبرة للتصديق القلبي لا القول اللساني عند الله تعالى ولهذا كذبهم، أما عندنا فإن من آمن بلسانه عاملناه معاملة المسلمين لأنا لم نطّلع على ما في قلبه، وليس لنا أن نقول هذا مؤمن بلسانه فقط، ومن كفر بلسانه عاملناه معاملة الكفرة ولو كان مؤمنا في قلبه، لأن علم القلب غير منوط بنا، والناس هنا جمع إنسان، وسمي آدم إنسانا لنسيانه عهد ربه، راجع الآية ١١٦ من سورة طه المارة في ج ١، قال:
وما سمي الإنسان إلا لنسيه ... ولا القلب إلا أنه ينقلب
وقال:
وسميت إنسانا لأنك أول الناس ... وأول ناس أول الناس
وقيل لأنه يستأنس به وجميع الناس أناس، قال تعالى (وَأَناسِيَّ كَثِيراً) الآية ٤٩ من الفرقان في ج ١، ويقال للأثى إنسانة، قال:
إنسانة فتانة ... بدر الدجى منها خجل
وقال بعض اللغويين لا مفرد له من لفظه مثل خيل وفلك ورهط وشبهها.
وهؤلاء المنافقون «يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا» يخادعونهم بإظهار ضد ما يضرون فيمكرون بحضرة الرسول وأصحابه «وَما يَخْدَعُونَ» بأقوالهم تلك أحدا «إِلَّا أَنْفُسَهُمْ» لأن الله تعالى يفضح خداعهم ومكرهم وحيلهم بإخبار رسوله به،