على صحة البعث والنشور فقال «وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ» أي خلق أصلكم آدم عليه السلام بدليل قوله «مِنْ تُرابٍ ثُمَّ» خلقكم أنتم يا ذرية آدم «مِنْ نُطْفَةٍ» مكونة من ماءي الرجل والمرأة.
مطلب لكل حظّه من خلق آدم وأن العمر يزيد وينقص:
وقد شمل ضمير خلقكم في هذه الآية ذرية آدم مع أنهم لم يخلقوا في التراب باعتبار ابتداء الخلق منه في ضمن خلق آدم خلقا إجماليا، لأن كلمتي مستقر ومستودع الواردة بعد قوله (أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) في الآية ٩٨ من سورة الأنعام في ج ٢، والملمع إليها في الآية ١٨٩ من سورة الأعراف المارة، تشعر بذلك، وعلى هذا يكون بطريق التسلسل لكل إنسان حظّ من خلق آدم كما سيأتي تفصيله هناك إن شاء الله «ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً» ذكرانا وإناثا، وزوج بعضكم بعضا لتوالدوا فتكثروا فيباهي بكم الأمم «وَ» اعلموا أيها الناس أنه «ما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ» ما تحمله أو تسقطه قبل تمام أجله «إِلَّا بِعِلْمِهِ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ» يمد في عمره ويطيله «وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ» من سنين وشهور وأيام وساعات ودقائق وثوان ولحظات «إِلَّا فِي كِتابٍ» مدوّن مثبت عند الله في لوحه المحفوظ الحاوي على أعمال العباد وتقلّباتهم في أصغر من الذرة إلى ما شاء الله من الكبر «إِنَّ ذلِكَ» الذي تزعمونه أيها الناس من كتابة أعماركم وآجالكم وأحوالكم ومعرفة ما يزيد منها وما ينقص وما يبدل أو يغير منها جدا عليكم صعب، لا تتمكنون من إجرائه ولكنه «عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ» ١١ سهل لأن الكون بما فيه بمثابة شيء واحد عند الله القائل (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ) الآية ٣٨ من سورة لقمان في ج ٢ واعلم أن زيادة العمر ونقصه يكون بالنسبة لأسباب مختلفة لا تعلم إلا عند وقوعها، وهي ثابتة عند الله فلا تكون إلا بعلمه وتقديره، مثلا جاء في الحديث الصحيح أن الصدقة تزيد في العمر وأن الصدقة والصلة تعمران الديار وتزيدان في الأعمار، وقال كعب لو أن عمر رضي الله عنه دعا الله تعالى آخر أجله.