للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قسرا رهبة من الملائكة الموكلين بعذابهم إذ يلجئونهم إلى أكله بالضرب المبرح الذي لا يقاس بضرب أهل الدنيا وناهيك أن هذا من البشر وذاك من الملائكة الغلاظ الشداد «ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ ٦٧» ماء شديد الغليان يقطع الأمعاء ومعنى الشوب الخلط والمزج تقول شاب اللبن إذا مزجه بالماء والضمير في عليها يعود للشجره أم تلك الثمرة لأنهم يتناولونها منها «ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ» بعد الأكل من الشجرة والشرب من الحميم لأنهما بمكان آخر عن مقرهم المنوه به بقوله «لَإِلَى الْجَحِيمِ ٦٨» ولذلك جاء العطف بالتّراخي ومن هنا أخذ أهل الدنيا تخصيص محل للأكل من دورهم على حدة وخصّصوا لدوابهم مرعى خارجا عن دورهم، قال تعالى في وصفهم أيضا «إِنَّهُمْ أَلْفَوْا» وجدوا «آباءَهُمْ ضالِّينَ ٦٩» فثبطوهم على ضلالهم «فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ ٧٠» يسرعون ويهرولون بشدة منكبين على عمل آبائهم ولم يصغوا لنصّاحهم ولم يتعظوا بمن سلف من الأمم المعذبين بل قلدوا آباءهم طائعين مختارين، لذلك عذبوا معهم

«وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ» أي كفار مكة ومن حولها «أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ ٧١» من الأمم الخالية إذ لم يهتد منهم إلا القليل «وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ ٧٢» ينذرونهم بأسنا ويخوفونهم عذابنا ويحذرونهم يومنا هذا فلم يمتثلوا ولم يرتدعوا فأهلكناهم بإصرارهم على الكفر «فَانْظُرْ» يا سيد الرسل «كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ ٧٣» الدمار والتتبير الذي عمهم «إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ٧٤» له والذين استخلصهم لذاته راجع الآية ٤٠ المارة فإن هؤلاء على المعنيين بمعزل عنهم لأنهم في الخيرات رافلون يتمتعون في النعيم «وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ» لتدمير قومه بعد أن أيس من إيمانهم بإعلامنا إياه بذلك وبإنجاء أهله مما ينزل بهم من العذاب فأجبناه وعزتي وجلالي يا حبيبي يا محمد إنا نحن إله الكل «فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ ٧٥» لأوليائنا عند حلول الضيق بهم واللام هذه واقعة في جواب القسم المحذوف المقدر كما ذكرناه والمخصوص بالمدح محذوف أيضا وقد قدّرناه كما بيناه في هذه الآية «وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ» كلهم إلا زوجته الكافرة وابنه كنعان المتمنع عن دخول السفينة مع أبيه لإصراره على كفره، ولذلك استثنيناهما من الانجاء بقوله تعالى (إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها

<<  <  ج: ص:  >  >>