للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقُبُورِ»

(٧) أحياء كما كانوا في الدّنيا قص الله في هذه الآية على أهل المدينة حالة النضر بن الحارث الذي كان يكثر الجدل بانكار البعث ويقول إن الملائكة بنات الله وقد أنزل الله في مكة بحقه الآيات الكثيرة ليعلموا حال المنكرين أمثاله كأبي ابن خلف وأضرابه العريقين في الشّرك والمخاصمة، كما أنه جل شأنه قصّ حال أبي جهل واضرابه كعيقة بن معيط الّذين أنزل الله تعالى فيهم الآيات الكثيرة الحاكية بغضهم وعنادهم وكفرهم وعداوتهم لحضرة الرّسول صلّى الله عليه وسلم في مكة أيضا في هذه السّورة المدنية على شأنهم، فقال جل قوله «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ» (٨) بل جهلا وضلالا وعتوا وعناد «ثانِيَ عِطْفِهِ» لاوي عنقه وجنبه عن حضرة الرّسول متبختر متكبر آنفا معرضا عن الله «لِيُضِلَّ» بعمله هذا النّاس «عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ» وعن الإيمان وكتبه ورسله فمثل هذا الخبيث الصّادر عن ذلك «لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ» من أنواع الهوان والذل والمهانة والرّذالة، وقد قتل في بدر صبرا تحقيرا له «وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ» (٩) الذي لا تطيقه القوى البشرية ويقال له «ذلِكَ» الذي لا قيته من خزي الدّنيا وعذاب الآخرة أصابك «بِما قَدَّمَتْ يَداكَ» من تكذيب محمد والتكبر عن دينه والاستهزاء به واختيارك الشّرك على التوحيد وإنكارك هذا اليوم والحياة فيه. وما وقع عليك من هذا ليس بظلم لك، بل جزاء عملك باختيارك واقترافك القبائح «وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ» (١٠) بل يجازي المسيء بحسب إساءته ويكافيء المحسن بأحسن من إحسانه. هذا، وما قاله بعض المفسرين من أن هذه الآيات نزلت في النّضر وأبي جهل أراد أن شبهها نزل فيها في مكة، وإن هذه الآيات نزلت في المدينة تبعا لسورتها حكاية عن تلك الآيات المكيات وقد تلاها حضرة الرّسول على أهل المدينة بيانا لحال أولئك الكفرة لا إنها نزلت فيها ثانيا، لأنهم قتلوا قبل نزولها، ولأن شيئا من القرآن لم ينزل مرتين كما ذكرناه غير مرة وأوضحناه في سورة الفاتحة ج ١، ولهذا قال بعضهم إنها مكيات. قال تعالى

«وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ» وطرف من الدّين لا في وسطه وقلبه، لأن الإيمان إذا لم يتغلغل في القلب ولم يذق صاحبه

<<  <  ج: ص:  >  >>