حلاوته ولم تخالط بشاشته الفؤاد كان دخوله فيه من غير عقيدة راسخة ولا رغبة كاملة ومحبة صادقة، وكان شاكا مترددا دخله على طريق التجربة «فَإِنْ أَصابَهُ» حال تلبسه فيه «خَيْرٌ» من سعة وصحة وولد وجاه «اطْمَأَنَّ بِهِ» بسبب الخير الذي رآه بدخوله فيه «وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ» من فقر أو مرض أو عقر أو حقارة «انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ» القهقرى وارتد كافرا تشاؤما منه، ولهذا جعل الله مثله مثل المتحيّر المضطرب، ومن كان هذا شأنه في الدّين «خَسِرَ الدُّنْيا» ففاته عزّها وكرامتها وأهين بالجلاء والأسر والسّبي والقتل أو بالجزية والمذلة «وَالْآخِرَةَ» خسرها أيضا لأنه لم يعدّ لها شيئا من الأعمال الصّالحة والأقوال والنّيات الحسنة «ذلِكَ» خسران الدّارين «هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ»(١١) الذي لا يخفى على أحد لشدة ظهوره فقيه النّدامة الفارغة والحسرة المحرقة والأسف العقيم. وقرئ خسر بالفتح على الحال، وقرئ خاصر بالضم على الفاعلية، ومثل هذه القراءة التي لا زيادة فيها ولا نقص جائزة إذ لا شيء فيها سوى مد الخاء، وأن المد والقصر والإدغام والفك جائز، والمد قد يستعاض عنه بالفتحة القائمة كما في رسم بعض المصاحف، تدبر. وهذا المرتد الخامس.
مطلب ظهور غبن الكفرة وأهل الأديان السّتة والسّجود لله تعالى وضرب المثل به:
«يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُ» إن عصاه «وَما لا يَنْفَعُهُ» إن أطاعه «ذلِكَ» دعاؤه من دون الله «هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ»(١٢) ، عن الصواب لأن هذا الخاسر الضّال «يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ» في طاعته وعبادته «أَقْرَبُ» له «مِنْ نَفْعِهِ» الذي كان يتوخاه منه في الدّنيا ويتوقع نفعه في الآخرة من الشفاعة وغيرها، أي أنه يدعو لمن ضره بكونه معبودا أقرب من نفعه بكونه شفيعا، ويقال له في ذلك اليوم أن المولى الذي تدعوه «لَبِئْسَ الْمَوْلى» أي الناصر الذي ترجو معونته فيها «وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ»(١٣) المصاحب والخليل المرافق هذا وقد ظن بعضهم أن هنا تناقضا، وهو أنه تعالى قال في الآية الأولى (يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ) إذ نفى النّفع والضّر عن الأصنام، وقد