للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أثبتها لها في هذه الآية إذ قال (يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ) وهذا ظن باطل ناشيء عن عدم قديره في كنه كلام الله المبرأ من كلّ ظن وشك وزعم ووهم وريب وشبهة، فضلا عما يزعمه من التناقض، لأن من أدرك المعنى وعرف المغزى زال عنه ما توهمه من إثبات النّفع والضّر في هذه الآية ونفيهما في الأولى لأن الله تعالى صفة الكافر على عبادته في الدّنيا جمادا، لا يملك ضرا ولا نفعا، وهو يعتقد فيه جهلا وضلالا أنه ينتفع فيه حين يستشفع به، ثم قال يقول هذا الكافر يوم القيامة بدعاء وصراخ حين يرى استقراره بسبب الأصنام وإدخاله النّار بعبادتها ولا يرى أثرا للشفاعة التي ادعاها له في الدّنيا لمن ضره إلخ تدبر. واعلم أن هذه اللام الدّاخلة على من ليست بزائدة كما ذكره بعض المفسرين إذ لا زائد في كتاب الله كما أشرنا إليه غير مرة، وما قيل إن ابن مسعود قرأ بدون اللام لا يستدل به على زيادتها، وأحسن الأقوال فيها أنها موطئة للقسم أي يدعو والله لمن ضره أقرب من نفعه إلخ. هذا ويتجه انطباق الآيتين على رؤساء الكفرة الّذين كانوا يفزعون إليهم، لأنهم قد يضرون وينفعون، وذلك لأن الله تعالى بين في الآية الأولى أن الأوثان لا تضر ولا تنفع، والآية الثانية تقضي كون المذكور فيها ضرا نافعا، فلو كان المذكور في هذه الأوثان لزم التناقض، فثبت أنهم الرّؤساء بدليل قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ إلخ) وهذا الاتجاه كما ترى والأوّل أولى وأسلم، والله أعلم. واعلم أن هذه الآيات الثلاث نزلت في أعراب المشركين الّذين كانوا يأتون المدينة من البادية فيدخلون بالإسلام ويقطنون فيها، فإذا رأوا صحة بأجسادهم ونتاجا في مواشيهم ونسائهم وزيادة في أرزاقهم قالوا دين حسن فيركنوا إليه، وإذا كان على العكس قالوا لم يصبنا من هذا الدّين إلّا الشّر، فيتركون المدينة ويرجعون إلى باديتهم مرتدين، وذلك لأن دخولهم في الإسلام لم يكن لمرضاة الله ولا لابتغاء وجهه ولا لأنه دين الحق، بل لمطامع دنيويّة يزول بزوالها، إذ لو كان إيمانهم عن رغبة صادقة ونية خالصة وحب قلبي طلبا لما عند الله في الآخرة لما ارتدوا مهما أصابهم من البلاء ونابهم من العناء وذاقوا من الفتن، فلم يثنهم عنه شيء حتى القتل ولم يزدهم الامتحان فيه إلّا تمسكا به وشوقا بلقاء الله، أملا

<<  <  ج: ص:  >  >>