والتعب يورث الاستسقاء ولهذا منعهم نبيهم وتراهم لكثرة ما شربوا منه انتفخت بطونهم وعجزوا عن المشي والعبور مع رفاقهم، وهذا النهر بين الأردن وفلسطين «فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا» المتخلفون الذين خالفوا أمر ملكهم وتوصية نبيهم عند ما شاهدوا كثرة العدو من وراء النهر «لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ» وذلك لما عرفوه من سطوتهم قبل وشدة بأسهم التي ذاقوها، ثم «قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ» الذين عبروا النهر مع ملكهم طالوت واكتفوا بغرفة من النهر وتمسكوا بتعاليم نبيهم وقد ازداد يقينهم بالله لما نفث في روعهم من القوة والإيمان بعد أن رأوا المعجزة بغرفة الماء بلى إن لنا من شدة صبرنا وإيقاننا بتحقق وعد الله لنا بالنصر والغلبة عليهم فإنا نقابلهم ولا نبالي بكثرتهم، قال تعالى «كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ٢٤٩» بالنصر والمعونة والصبر ثمّ تأمروا بينهم على لقاء عدوهم وأقدموا على قتاله «وَلَمَّا بَرَزُوا» طالوت وجنوده «لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ» وصار بحيث كل منهم يرى الآخر لأن الأرض التي فيها الطرفان واسعة بارزة «قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً» على لقاء عدونا واصرف الرعب عن قلوبنا بسبب كثرتهم وقلّتنا «وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ ٢٥٠» فأجاب الله دعاءهم بأن أزال الخوف عنهم وملأ قلوبهم بالإيمان وحبب إليهم الغلبة وألقى الرعب في قلوب أعدائهم ونصرهم عليهم
«فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ» حين التقى الجمعان وردوهم إلى الوراء فكسروهم «وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ» ملك العمالقة على ما هو عليه من القوة والعظمة وما معه من العدة والعدد «وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ» أي النبوة والحكم بين الناس ولم يجتمعا لأحد قبله من بني إسرائيل لأن الملك كان في سبط والنبوة في سبط كما تقدم آنفا فهو أول عظيم تولى السلطتين الدينية والزمنية، راجع الآية ٥٠ من سورة ص المارة في ج ١، «وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ» من صنعة الدروع وغيرها زيادة على علومه في الدين والحروب والسياسة وكان عليه السلام مع ما أوتي من الملك الكبير لا يقتات إلا من كد يده وأنزل عليه الزبور المشتمل على الأدعية والاستغاثات والحكم والأمثال