النافع، وهذا الجزاء الذي يجازون به «جَزاءً وِفاقاً» ٢٦ لأعمالهم، وإنما ينالون هذا الجزاء القاصي الذي لا أعظم منه لأنهم يشركون وينكرون البعث أيضا ولا ذنب أعظم من هذين، ولهذا أشار الله عنه بقوله «إِنَّهُمْ كانُوا» في دنياهم «لا يَرْجُونَ حِساباً» ٢٧ على أعمالهم القبيحة «وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً» ٢٨ مصدر كذب بلغة اليمن وبلغة غيرهم التكذيب، وبغير التشديد التكثير على أن هذه الأمور الثلاثة التوحيد والنبوة والمعاد لم تختلف فيها أمة كتابية قطعا، ومن أنكرها فليس من أهل الكتاب بل هو كافر لأن جميع الرسل بلغت أممها فيها، واعلم أن القرآن العظيم لا يتصدى لذكر أحدها إلا وأتبعها بذكر الآخرين، قال تعالى «وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً» ٢٩ أثبتناه في اللوح المحفوظ فلا سبيل لإنكاره لأنها مدونة فيه وعند الحفظة كما مر في الآية ٢٣ من سورة الإسراء ج ١، وعند ما يستغيثون مما يعاينون من الآلام يقال لهم «فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً» ٣٠ وهذه الآية أشد ما في القرآن على أهل النار، أجارنا الله منها.
ثم طفق يذكر ما للمتقين عنده فقال «إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً» ٣١ ونجاة من العذاب والهوان والخوف بما أسلفوه من تصديقهم الرسل واعترافهم بالتوحيد والبعث وتفرعاتها، لهذا فإن لهم جزاء أعمالهم هذه «حَدائِقَ وَأَعْناباً» ٣٢ خص الأعناب مع أنها داخلة في الحدائق إشعارا بتفضيلها على غيرها، لأنها من المدّخرة المغذية ويؤذن بذلك التنكير «وَكَواعِبَ أَتْراباً» ٣٣ لهم أيضا في الجنة، أي جواري مستويات في السن، ويقال للبنت كاعب إذا ظهر ثديها وارتفع ارتفاع الكعب، وهذا في إطلاق الجزء على الكل «وَكَأْساً دِهاقاً» ٣٤ مملوءة مترعة «لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً» ٣٥ فلا يكذب بعضهم بعضا ولا يكذب بعضهم على بعض كما هو الحال في شربة خمر الدنيا، والكذاب يأتي بمعنى الكذب وقد يخفف وعليه قول الأعشى:
فصدقتها وكذبتها ... والمرء ينفعه كذابه
وهو شائع بمعنى التكذيب، راجع الآية ٢٣ من سورة الطور المارة تجد معنى اللغو وما يتعلق به. واعلم أن أهل الجنة جعلنا الله منهم يعطون ذلك العطاء