الآية الآتية وهو الزئبق لا نفس العصي والأحبال والأخشاب بل ما طليت به وتعيدها إلى حالتها الأولى، فظهر للناس كذب السحرة وأن ما فعلوه لا حقيقة له ويعترفون بعظمة معجزة موسى وإكبار غلبه لهم، ولو أنه تقدم بالإلقاء
لم يظهر أن الغلب له ولقال الناس أنهم لم يقدروا عليه فقط، فلم يظهر غلبه للعامة بمثل هذه الكيفية العظيمة الباهرة، قال تعالى «وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ» فألقاها حالا «فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ ١١٧» أي تبلع ما زوّروه بأعين الناس وخيّلوا لهم به قلبه عن حقيقته فعاد الحبل حبلا والعصى عصى والخشب خشبا كما كانت وتمثلت عصى موسى بالصورة المارة في الآية ١٠٧ فظهر حق موسى وبطل السحرة «فَوَقَعَ الْحَقُّ» من الله على يد رسوله «وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ١١٨» من السحر، واتضح أمر السحرة بين الناس وظهر لهم كذبهم وتمويههم وتخييلهم وعجزهم عن مناواة موسى «فَغُلِبُوا هُنالِكَ» في ذلك المشهد العظيم وقهروا وخسئوا «وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ ١١٩» أي فرعون وجماعته باندحار السحرة، وذلوا بأعين الناس لظهور عجزهم عن مقابلة موسى وأخيه، ولما عرف السحرة أن ما جاء به موسى ليس من عنده ولا هو من نوع السحر الذين هم أعلم بطرقه، وما هو إلا من عند الله سحبتهم العناية الإلهية والألطاف الربانية المقدرة لهم في علمه الأزلي على هذه الحادثة تابوا من كفرهم توبة نصوحا وآمنوا بموسى، قال تعالى «وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ ١٢٠» لله تعالى استغفروا من ذنوبهم بمقابلة رسوله الذي تحقق لديهم صدقه، إذ لو كان ما جاء به سحر لبقيت حبالهم وعصيهم وأخشابهم على حالها ولا يضرهم أن يأتي موسى بمثلها أو أعظم منها ولكان غاية ما في الأمر أن يقول الناس جاء كل من الفريقين بسحر عظيم ولهذا حلت الهداية قلوبهم عند ما عاينوا قدرة الله في عصي موسى الباهرة مما هو ليس في طوق البشر
ثم «قالُوا» بأعلى صوتهم على مسمع من فرعون وملاءه والناس أجمعين «آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ ١٢١» ليعلم الناس كلهم حقيقة غلبة موسى واندحارهم، وأن موسى صادق وهم كاذبون وأنهم لم يخشوا فرعون ولا غيره بقول الحق، فقال لهم فرعون تعنوني قالوا لا وإنما