ترون أنكم محقون في مباراتي وان ما تفعلونه حق لا تمويه «فَلَمَّا أَلْقَوْا» ما معهم من الحبال والعصي وغيرها، وتمثلت للناس بغير ما هي عليه، إذ «سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ» وحرّفوها عن إدراك الحقيقة بالتمويه والتخييل، ولذلك لم يقل جل قوله سحروا الناس لأن السحر صرف العين عن إدراك الشيء وقلبه إلى صورة أخرى بأعينهم، والمعجزة قلب الأعيان حقيقة وبقاء الجوارح على حالها «وَاسْتَرْهَبُوهُمْ» أي طلبوا بذلك التخيل إيقاع الرهبة والخوف في قلوب الناس من شدة ما أروهم من سحرهم الموصوف بقوله تعالى «وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ ١١٦» بأعين الناس إذ أروهم الحبال حيات عظيمة والأخشاب جبالا شامخة وقد تراكمت الحيات بعضها على بعض وملأت الوادي وتشامخت الجبال حتى لا يكاد يدركها الطرف فخاف الناس وفزعوا لهول ما رأوا وذلك لأنهم طلو الجبال بالزئبق وحشوا الأخشاب به أيضا، قبل طلوع الشمس، حتى رآها الناس أنها حبال وأخشاب، وصاروا يدمدمون عليها حتى طلعت الشمس وارتفعت، فلما وصلت حرارتها إلى العصي التوى بعضها على بعض، وارتفعت هي والأخشاب، وكذلك الأحبال بتأثير الزئبق وتطاولت وكلما ازدادت حرارة الشمس ازدادت حركاتها وعظمها، فخيّل للناس أنها صارت حيات وجبالا حقيقية، قالوا وكانت الأرض التي وقعت فيها المباراة ميلا بميل، فلما امتلأت بذلك ضاقت بالناس وتباعدوا فزعا مما رأوا، إذ غلب على ظنهم حقيقة ما رأوا من حركات العصي والأخشاب والأحبال وتعاظمها، وذلك قوله تعالى (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى) الآية ٩٤، وقوله (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى) الآية ٦٥ من سورة طه الآتية، وإنما خاف عليه السلام أن يصدق الناس ما رأوه حقيقة ولهذا خاف ليس إلا لأنه بتعليم الله إياه علم أن ذلك سحر وهو موقن أنه يغلبهم لعلمه بحقيقة عملهم فخاف لفزع الناس واضطرابهم، وخوفهم أن يتفرقوا قبل أن يشاهدوا معجزته، وهو إنما أمر السحرة بالتقدم عليه ليرى الناس عظمة ما جاءوا به، ويكبروها، حتى إذا ألقى عصاه وأبطلت ما جاءوا به لأن الله جعل فيها قوة تلقف الزئبق من حبالهم وعصيهم وأخشابهم، قال تعالى (تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ)