القاتل إذا استحل القتل كفر، ويقتل حدا، وإذا لم يستحله فلا، إلا أنه يكون مؤمنا فاسقا عاميّا، لأن من يقترف الكبائر دون استحلال يبقى على إيمانه بدليل تسميتهم مؤمنين، لأن الله تعالى صدر الآية بقوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) وبدليل تسمية القاتل أخا لولي المقتول، فلولا أن الإيمان باق عليه لم تثبت له أخوة ولي المقتول، وبدليل ندب الله تعالى ولي المقتول للعفو عنه، والعفو من صفات المؤمن أما الآية ٩٢ من سورة النساء الآتية محمولة على الاستحلال، هذا والله أعلم.
[مطلب في الوصايا ومن يوصى له ومن لا وما على الوصي والموصى له والموصي:]
قال تعالى «كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ» بأن ظهرت آثاره عليه وكان قادرا على الإيصاء «إِنْ تَرَكَ خَيْراً» مالا كثيرا «الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ» بر أي إذا لم يكونا أهلا لاستحقاق الإرث كما سيأتي «وَالْأَقْرَبِينَ» غير الوارثين أيضا وعلى المؤمن أن لا يخص بوصيته الأغنياء، لأن الفقراء أحق بالوصية إلا إذا كانوا فسقة وغلب على ظنه إنفاق ما يوصي به إليهم في طرق الشر، وهذه الوصية ينبغي أن تكون «بِالْمَعْرُوفِ» الذي لا وكس فيه ولا شطط بأن يعدل في ذلك عدلا «حَقًّا» لازما «عَلَى الْمُتَّقِينَ»(١٨٠) الإله الذي أمرهم بهذا، على أن لا يجنحوا بوصاياهم إلى غير العدل وإلى عدم الإيصاء إلا بالمعروف. وسبب نزول هذه الآية أن الجاهلية كانوا يوصون للأجانب طلبا للفخر والسمعة ورفع الصيت والشهرة، فأوجب الله في بداية الإسلام هذه الوصية لمن يترك مالا كثيرا بدليل تسميه خيرا، قال رجل لعائشة رضي الله عنها أريد أن أوصي، فقالت كم مالك؟ قال ثلاثة آلاف درهم، قالت كم عيالك؟
قال أربعة، قالت إنما قال الله تعالى (إِنْ تَرَكَ خَيْراً) أي مالا كثيرا، وهذا يسير، فاتركه لعيالك.
قال تعالى «فَمَنْ بَدَّلَهُ» أي القول الواقع من المريض الموصي «بَعْدَ ما سَمِعَهُ» منه سواء كان وصيا أو وليا عند الكتابة أو القسمة أو الشهادة، وسواء وقع التبديل في قول الموصي أو فيما أوصى به «فَإِنَّما إِثْمُهُ» أي التبديل الواقع من أولئك «عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ» خاصة، أما الموصي والموصى له فهما بريئان من هذا الإثم، فإذا أخبر الوصي أو الشهود أن الموصي