بالمغفرة أماني باطلة «وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ» أيضا حلالا كان أو حراما، مصرين على عملهم غير تائبين منه، أي ان الذين كانوا من هذه الفرقة يعيبون المرتشين المحرفين المغيرين المبدلين، إذا جاءهم عرض مثل عرض سلفهم لا يمتنعون عن أخذه أيضا، فوبخهم الله تعالى بقوله «أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ» في العهد والصدق في المواثيق التي أخذها الله عليهم في التوراة «وَدَرَسُوا» والحال أنهم قد قرأوا «ما فِيهِ» من تلك العهود والمواثيق «وَالدَّارُ الْآخِرَةُ» واطلعوا في التوراة أيضا على ما أعده الله لأهل طاعته من الثواب، ولأهل معصيته من العقاب المرتب على الامتثال والانقياد، والتغيير والتبديل والتحريف فيها، وعرفوا أن العمل الصالح لتلك الدار «خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ» العمل السيء هناك في تلك الدار الآخرة «أَفَلا تَعْقِلُونَ ١٦٩» أن ما فيها من الخير خير وأبقى مما يأخذونه في الدنيا من الرشوة. أخرج الترمذي عن شداد بن أوس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: الكيس من دان نفسه (حاسبها) وعمل لما بعد الموت. (قبل أن يحاسب عليها) والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني. والشاهد فيه أن اليهود يعضون الله ويطلبون مغفرته، قال تعالى «وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ» ويعتصمون به ويعملون بما فيه «وَأَقامُوا الصَّلاةَ» المفروضة عليهم لأن هذه من الآيات المدنيات كما ذكرنا، وخص الصلاة بالذكر مع أنها داخلة بالتمسك تنبيها على عظم شأنها لأنها من أعظم العبادات بعد الإيمان بالله ورسوله «إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ ١٧٠» أنفسهم الثابتين على صلاحهم، نزلت هذه الآية في عبد الله بن سلام وأصحابه الذين أسلموا في المدينة من يهودها، فطوبى لهم ولمن يثبت على الإسلام ويموت عليه،
ثم ندّد في بني إسرائيل السابق ذكرهم بمناسبة ذكر الصالحين منهم فقال «وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ» الطور أو جبلا غيره، وهذه الجملة عطف على جملة وإذ قيل لهم المارة في الآية ١٦١ المكية وكلمة نتقنا لم تكرر في القرآن وسيأتي في الآيتين ٦٣، ٩٣ من سورة البقرة في ج ٣ ما يتعلق بهذا، أي رفعناه وصيرناه «فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ» خيمة كبيرة ت (٢٩)