وهم محتاجون إليها، فيشق عليهم التعامل مع غيرهم الذي وضع للتسهيل والتيسير، فيخل نظام الفطرة الاجتماعية في وجوه الكسب، فيقع تحت براثنه ضحايا من الناس هم أحوج في حياتهم لأقل قليل من مجهوداتهم، ولأن فيه مخاطرة من جهة الآخذ إذا ألزم نفسه أن يدفع كسبا المرابي محققا في نظير ما يؤمل كسبه، إذ قد يخيب ظنه فيخسر فيشق عليه أداء الزيادة للمرابي، ولأنه يعود الناس الطمع بما في أيدي الغير، فتقسو قلوب بعضهم على بعض فيفقدون ملكة التعاون والتراحم والتعاطف بعضهم على بعض، فتنقطع بينهم عرى المساعدة حالة الشدة، ويحرمون من الثناء والحمد، وتنهال عليهم المذمة والدعاء والشتم في الدنيا فضلا عن حرمانهم في الآخرة الثواب المعين للقرض الذي هو أفضل من الصدقة، ولقائهم عذاب الله الأليم.
فهذه اثنتا عشر خصلة كل واحدة منها كافية للقول بحرمة الربا على القطع، وفي كل منها مفسدة كافية للقول بمنعه، فما بالك إذا تحلقت جميعها، فهل تهد قوى الأمة وتنقص فضلها وتحطم كمالها وتقطع بينها مادة التواصل أم لا؟ قل بلى، ولا يقولها إلا موفق من يوم قالوا بلى لله القائل «وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ»(١٣٣) .
أخرج ابن جرير عن التنوخي رسول هرقل قال: قدمت على رسول الله صلّى الله عليه وسلم بكتاب هرقل وفيه إنك كنت تدعو إلى جنّة عرضها السموات والأرض فأين النار؟
فقال صلّى الله عليه وسلم فأين الليل إذا جاء النهار؟ أي أن القادر على إذهاب الليل قادر على أن يخلق النار حيث يشاء، أو أنها بعرض هذه السموات والأرض المرئية الآن، لا اللّتين تبدلان، راجع الآية ٤٨ من سورة إبراهيم في ج ٢، وفي خبر لأبي هريرة مما يؤيد هذا، وما قاله بعضهم بأن عرضها ثخنها بحيث لو عرضت لبلغ ثخنها ثخن السموات والأرض فليس بشيء وهو خلاف الظاهر وبعيد عن المعنى وعن المأثور، وهذه الآية تؤيد وجود الجنة كما بيناه في الآية ١٣١ المارة.
[مطلب في التقوى وكظم الغيظ والعفو والإحسان، ومكارم الأخلاق والتنزه عن مذامتها:]
ثم بين هؤلاء المتقين بقوله «الَّذِينَ يُنْفِقُونَ» أموالهم فيما خلقت لها ابتغاء مرضاة الله بلا منّ ولا أذى ولا طريق محرم «فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ» أي في