حالتي العسر واليسر، فلا يتركون الإنفاق سواء كانوا في عرس أو حبس.
«وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ» الجارعين مضضه عند امتلاء نفوسهم منه فلا يظهرونه بقول ولا فعل بل يصبرون ويسكتون، لأن الكظم حبس الشيء عند امتلائه، وهذا الوصف من أقسام الصبر والحلم، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب.
وذلك أن شفاء الغيظ بالبطش والانتقام، وقد حالت التقوى والحلم دونه، ونعم الحائل والمانع. ولهذا قالوا: كن من العاقل إن أحرجته، ومن الأحمق إن مازحته، ومن الجاهل إن عاشرته، ومن الفاجر إن خاصمته، ومن الكريم إذا أهنته، ومن اللئيم إذا أكرمته على حذر. روى سهل بن معاذ عن أنس الجهني عن أبيه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: من كظم غيظا وهو يستطيع أن ينفذه دعاه الله يوم القيامة على رءوس الخلائق حتى يخيّره في أي الحور شاء- أخرجه الترمذي وأبو داود «وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ» إذا جنوا عليهم فلم يؤاخذوهم وقد يحسنون إليهم بالعطاء فضلا عن إحسانهم بالعفو «وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ»(١٣٤) عامة ومحبة الله أعظم درجات ثوابه وخاصة لمثل هؤلاء، لأن من يعفو وهو قادر فقد تذرع بالصبر وعرف أن ذلك من قضاء الله وقدره فلم يتبرم ولم يسخط فكان من الصادقين الذين إذا قالوا صدقوا وإذا عاهدوا وفوا وإذا ائتمنوا أدّوا، فيكون من القانتين الذين سلمت أعمالهم من الرياء وأقوالهم من السمعة طلبا لما عند الله، وهذا كله من حسن الخلق الذي منّ الله عليهم به، قال محمد بن ثور الهلالي:
وإنما الأمم الأخلاق ما صلحت ... فإن هم فسدت أخلاقهم فسدوا
وقال غيره:
فإذا رزقت خليقة محمودة ... فقد اصطفاك مقسّم الأرزاق