المناصب والجاه، لأن هذا كله «مَتاعٌ» قليل زائل يتمتعون به في حياتهم ويقيمون به رياستهم ويرفعون به صيتهم ويتظاهرون به على المؤمنين ويناصبونهم العداء وينشرون عليهم سطوتهم «فِي الدُّنْيا» فقط لا يدوم لهم ذلك ولا ينتفعون به في الآخرة، بل يكون عليهم وبالا فيها «ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ» بالموت «ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ» بعد الموت وفي الآخرة بعد الحساب على ذلك وغيره ونعذبهم «بِما كانُوا يَكْفُرُونَ ٧٠» نعمنا ولم يستعملوها لما خلقت لها كما أنهم لم يستعملوا جوارحهم لما خلقت لها. هذه نبذة من أحوال قريش قومك يا محمد، قصصناها عليك وها نحن أولاء نقص عليك من أحوال الأنبياء قبلك وما لا قوه من أقوامهم كي تذكره لهم، وتسلي نفسك بما وقع لهم من أقوامهم.
قال تعالى «وَاتْلُ» يا محمد «عَلَيْهِمْ» أي قومك «نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ» هم بنو قابيل أول رجل أهرق الدم على وجه الأرض وسن القتل الذي لم يعرف قبل، إذ قتل أخاه هابيل وعصى أباه، كما ستأتي قصتهما في الآية ٢٧ من سورة المائدة في ج ٣.
قال صلى الله عليه وسلم من سن حسنة فله أجرها وأجر من يعمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من يعمل بها إلى يوم القيامة. وهو أول من انشق على أهله ومنه بدأ الخلاف، لأمر أراده الله، قال تعالى (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً» الآية ١١٨ من سورة هود الآتية، وفائدة هذه القصص إخبار حضرة الرسول بأحوال الأمم السابقة مع أنبيائهم، وإعلامه بأنه ليس هو وحده قاصى شدة بإرشاد قومه بل إخوانه الأنبياء كانوا كذلك، فإنهم كذبوا وأهينوا وطردوا وقتلوا، ليتسلى بذلك ويهون عليه. ما يلاقيه من قومه، قال تعالى حاكيا حاله معهم «يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ» ثقل وعظم وشق «عَلَيْكُمْ مَقامِي» بين أظهركم إذ طال أمده فيهم إذ لبث بعد تشرفه بالنبوة معهم ألف سنة إلا خمسين عاما، كما سنبينه في الآية ١٤ من سورة العنكبوت الآتية، وهو يدعوهم خلالها إلى الله ولينبذوا الكفر فلم ينجع بهم «وَتَذْكِيرِي»
يصعب عليكم ووعظي إياكم «بِآياتِ اللَّهِ» وبيان حججه وبراهينه طلبا لهدايتكم لما به نفعكم، ولقاء هذا تعزمون على طردي وقتلي، فافعلوا ما شئتم «فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ»