ولست مباليا بكم إذ هو حسبي وثقتي، قد فوضت أمري إليه «فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ» الذي عزمتم عليه واستعدوا لتنفيذه، ولا تتركوا شيئا تصورتموه إلا أحضرتموه «وَ» ادعوا «شُرَكاءَكُمْ» أيضا فيما أنتم عليه ممن هو على طريقتكم فيما أظهرتموه.
يؤيد هذا التفسير قول من جعل الواو بمعنى مع، أي أجمعوا أمركم مع شركائكم.
وما قيل إن المراد بالشركاء هنا الأوثان، مخالف للظاهر ومناف للسياق، وإذا صحت الحقيقة فلا مجال للعدول عنها إلى المجاز «ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً» هما وكربا بل اجعلوه سهلا ويسرا «ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ» ذلك الأمر الذي أجمعتم عليه وأهلكوني، وتخلصوا مني، واطرحوا عنكم ثقلي عليكم، وتخلصوا من مقامي بينكم، ولا تلتفتوا لتذكيري «وَلا تُنْظِرُونِ ٧١» لا تمهلوني إن استنظرتكم بل عجلوا بما تريدونه. هذا وإن تفسير الغمة بالستر والخفاء والإبهام كما ذكره بعض المفسرين لا يناسب المقام، إذ يكون المعنى على هذا التفسير ليكن أمركم ظاهرا منكشفا، أخذا من غم الهلال إذا خفي والتبس أمره على الناس، وعليه حديث وائل بن حجر: لا غمة في فرائض الله. أو لا تستر ولا تخفي بل تظهر وتعلن، فالمشي على هذا الوجه فيه بعد عن المعنى المراد والله أعلم «فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ» عن نصحي، وأدبرتم عني وأعرضتم عن تذكيري، فذلك شأنكم، أما أنا «فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ» على إرشادي حتى يؤدي نصحي إلى توليكم عني أو تتهموني بالطمع «إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ» لا على أحد غيره. فإن أطعتموني فهو حظكم وسعادتكم، وإلا فلا ضرر عليّ من عدم قبولكم نصحي المؤدي إلى حرمانكم من الإيمان بالله الموصل إلى نعيمه الدائم، ولكن آسف عليكم والله يثيبني على نيتى آمنتم أو توليتم «وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ٧٢» لله المستسلمين لأمره ونهيه، فإني لا أخالف أمره ولا أخاف سواء، هذا آخر كلام نوح عليه السلام لقومه وقد بلغ الغاية في النصح لهم، وأظهر عدم مبالاته بما يريدونه به من العزم على قتله، وقد بلغ النهاية من درجات التوكل والوثوق بالله عز وجل مبينا عدم خوفه منهم ومما أجمعوا عليه به، وصارحهم بأن مكرهم مهما كان فإنه لا يصل إليه لاعتماده على ربه «فَكَذَّبُوهُ» وقابلوا مبالغة نصحه لهم والتصلب