لم يرجعوا عن كفرهم ينزل بهم عذابه، وإذا نزل فلا يرده رادّ.
قال تعالى «لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ» أي الأنبياء السابقين وأممهم الماضية الطائعة والعاصية الناجية والهالكة «عِبْرَةٌ» عظيمة وعظة خطيرة «لِأُولِي الْأَلْبابِ» العقول الصحيحة السليمة، أما غيرهم الذين لم ينتفعوا بهذه العبر فلا تكون عظة لهم لعدم سلامة قلوبهم من الرين والصدأ المتكاثف عليها ولذلك لم يعتبروا والعبرة الحالة التي يتوصل بها الإنسان من معرفة المشاهد إلى غيره فيقيس بينهما ويتأمل ويتفكر، فيأخذ ما هو الأحوط والأصوب بالأمر الواقع ويترك الخطأ، وقد بدأ الله تعالى هذه السورة بقوله أحسن القصص وختمها بقوله (فِي قَصَصِهِمْ) مما يدل على أن في هذه السورة الكريمة عبرا كثيرة لمن يعتبر فيها من الأخبار بالغيب والوقائع ما لم يكن بغيرها فضلا عن أنها معجزة عظيمة لسيدنا محمد صلّى الله عليه وسلم قال تعالى «ما كانَ» هذا القرآن الذي لقبّناه بأحسن القصص يا أيها الناس «حَدِيثاً يُفْتَرى» يختلق من قبل البشر، وإنما هو من عند إله البشر ونزل على خيرهم «وَلكِنْ» كان في الأزل ويكون في الحاضر والمستقبل «تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ» من التوراة والإنجيل وغيرهما مما أنزل الله تعالى من كتب وصحف «وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ» تحتاجه يا سيد الرسل أنت وأمتك الموجودون والآتون إلى يوم القيامة من بيان الحلال والحرام والحدود والأحكام والقصص والأخبار والمواعظ والأمثال في كل ما يتعلق في أمور الدنيا والآخرة وما فيهما فمن عرفه حق معرفته لا يحتاج إلى غيره «وَهُدىً» للناس من الضلال والتيه والزيغ أيضا «وَرَحْمَةً» لهم من العذاب وخيرا ينالون به نعم الدارين «لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ١١١» به ويعتقدون أنّ ما فيه حق لأنهم هم المنتفعون به لا غير، ولا يوجد في القرآن سورة مختومة بهذا الفعل إلا سورة المرسلات فقط هذا، واستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
تفسير سورة الحجر عدد ٤- ٥٤- ١٥
نزلت بمكة بعد سورة يوسف إلا الآية ٨٥ فإنها نزلت بالمدينة وهي تسع وتسعون آية، وستمئة وأربع وخمسون كلمة، وألفان وسبعمئة وستون حرفا.