للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجرأة عليه. وقد ذم جلّ شأنه مكثره بقوله (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ) الآية ١٠ من سورة نون في ج ١ وقوله تعالى (وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ) الآية ٩٢ من سورة المائدة الآتية. وترك الحلف والتباعد عنه محمود عند العرب حتى إنهم يصفون قليله بأقوالهم، قال كثير:

قليل الألايا حافظ ليمينه ... وإن سبقت منه الأليّة برّت

أي كان لم يقصد الحلف، ولكن سبق لسانه به، ومع هذا فإنه يبر بها احترام لشأنها، ولهذا يقول الله تعالى إنما نهيتكم عن الحلف إرادة أن تبروا به لأن توقيه من البر والتباعد عنه من التقوى والرجوع الى ما هو الأحسن من الإصلاح.

وقال بعض المفسرين إن الآية على حذف حرف الجر، أي من أن تبروا إلخ من حيث لا حاجة لتقدير من أوفى على قول الآخر أي في أن تبروا، أو تقدير أي أن لا تبروا لجواز حذفها في لغة العرب لمعلوميتها، قال امرؤ القيس:

فقلت يمين الله أبرح قاعدا ... ولو قطعوا رأسي إليك وأوصالي

أي لا أبرح تدبر. روى البخاري ومسلم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: من حلف علي يمين فرأى خيرا منها فلياتها وليكفّر.

مطلب في الأيمان وكفّارتها والإيلاء والطلاق والعدة وكلمات من الأضداد وما يتعلق بحقوق الزوجين:

وترمي هذه الآية إلى النهي عن الحلف بالله لما ذكرنا ما فيه من الجرأة عليه، ألا فليحذر المكثرون من الحلف وليعظموا أسماء الله لأن في الإكثار من الحلف تهاونا يؤاخذ عليه العبد، أما الذين لا يتهاونون بالأيمان وقد يقع منهم ذلك بمعرض الكلام مما هو غير مقصود فيقول لهم ربهم «لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ» أي مما لم يكن عن فكر وروية وما لا عقد له ولم يكن مقصودا كقول الرجل لا والله ما الأمر هكذا وبلى والله كان ذلك مما قد يكون من الإنسان بمعرض الكلام والمخاطبة من غير عقد اليمين ونيته، فلا كفارة عليه ولا إثم، أما الذي يحلف على الشيء وهو يعلم أنه كاذب فيه ليرضي الناس أو ليعتذر لهم أو يقتطع بيمينه مال أحد فهو أعظم وأعظم من أن يكون فيه كفارة، وإنما

<<  <  ج: ص:  >  >>