أسلموا لله أيضا، ومن هنا يراد معناه الدال على الجمع أي انقادوا بكليتهم لله وأخلصوا له الدين إخلاصا كاملا «وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ» من اليهود والنصارى «وَالْأُمِّيِّينَ» من مشركي العرب وغيرهم ممن لا كتاب لهم «أَأَسْلَمْتُمْ» مثل إسلامنا هذا بأن نعبد الله وحده ولا نجعل له ولدا ولا شريكا «فَإِنْ أَسْلَمُوا» وانقادوا لله مثلكم وخضعوا خضوعكم إلى الدين الحق الثابت في كتبهم والمعترف به عند الشدائد وأسلموا إسلاما حقيقيا «فَقَدِ اهْتَدَوْا» إلى الحق وصاروا مثلكم «وَإِنْ تَوَلَّوْا» عن الإسلام وأعرضوا عنكم ولم يعترفوا بما أوجبه الله فاتركهم «فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ» فقط، وقد قمت به وما عليك أن لا يهتدوا، لأن القبول والاهتداء على الله «وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ»(٢٠) والبصير يعلم بمن يؤمن ومن يصر على كفره. وهذه الآية محكمة لا منسوخة كما قاله بعض المفسرين، لأنها مسوقة لتسلية حضرة الرسول صلّى الله عليه وسلم ليخفف عن نفسه من شدة حرصه على إسلامهم ويهون من تألمه على إعراضهم، وقد وضح الله لهم الشريعة التي يريد من خلقه السير عليها، وان الأديان السماوية يرجع أساسها إلى دعوة واحدة هي التوحيد لله، وان الاختلاف وقع من تلاعب الرؤساء في الديانتين اليهودية ولنصرانية بسبب ما أدخلوه من تحريم وتحليل وتغيير وتبديل على حسب أهوائهم، وان من يدعوا الناس إلى الحق فقد قام بواجب الدين ولا يضره عدم الإجابة وإعراض الناس عنه
قال تعالى «إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ» من العلماء ولأولياء «مِنَ النَّاسِ» جميعهم أولهم وآخرهم «فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ»(٢١) عاجل وآجل، كان أنبياء بني إسرائيل بوحي إليهم بإنذار قومهم دون أن يأتيهم كتاب من الله، لأنهم ملزمون بأحكام التوراة، فكانوا يقتلونهم فيقوم رجال ممن آمن بهم فينهونهم ويأمرونهم بالكفّ عنهم، فيقتلونهم أيضا، فأخبر الله نبيه محمدا بما كان منهم ليقصه على يهود المدينة وغيرهم فيعلموا أنه بإخبار الله إياه لعلهم يؤمنون، فلم يتجع بهم «أُولئِكَ الَّذِينَ» هذه صفتهم «حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا» ولعنهم الناس وأخزوهم على فعلهم ذلك فيها «وَالْآخِرَةِ» تحبط