للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثلث الليل الأخير وإنما خص الاستغفار بها، لأنها أوقات الإجابة للقائمين وأوقات توغل نوم الغافلين. قال تعالى «شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ» بأنه الإله المنفرد الخالق المحيي المميت «وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ» شهدوا بما شهد الله ذاته جلت وعظمت، وشهدوا أنهم من جملة خلقه، وأنه هو وحده المدير لشنون الكون، وانه كان ولم يزل «قائِماً بِالْقِسْطِ» العدل ومتصفا بصفات الكمال «لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» (١٨) في تصرفاته وأفعاله وأحكامه، وبناء على هذه الشهادة الصادرة من الرب الجليل صاحب الإعطاء والمنع يجب على الخلق كافة الاعتراف بتوحيد الرب وتنزيهه عن جميع النقائص. لما قدم أحبار الشام إلى المدينة قالوا ما أشبه هذه بصفة مدينة النبي الذي يخرج آخر الزمان، ولما دخلوا عليه عرفوه بالصفة الموجودة في كتبهم، فقالوا له أنت محمد؟ قال نعم، قالوا وأنت أحمد؟ قال نعم، قالوا فإنا نسألك عن شيء، فإن أخبرتنا آمنا بك وصدقناك، قال اسألوا، قالوا أخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب الله عز وجل، فأنزل الله هذه الآية فأسلموا لما رأوا من الحق والصدق فيه وفي وصفه الكامل الشامل.

قال تعالى «إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ» راجع الآية ٣ من المائدة الآتية (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) والآية ٨٥ الآتية وهي (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) «وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ» في نبوة محمد ودينه «إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ» بأن الإسلام هو الدين الحق، فاختلفوا فيه «بَغْياً بَيْنَهُمْ» وحبا لبقاء الرياسة فيهم، فقالت اليهود لا دين إلا دين اليهودية، وقالت النصارى لا دين إلا دين النصرانية كما مرّ في الآية ١١٢ من البقرة، فردّ الله عليهم بأن الدين المرضيّ عند الله هو الإسلام «وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ» ويتخذ إلها من دونه ودينا غير دينه «فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ» (١٩) يحاسب عباده على ما يقع منهم وأنه يجازيهم إن شاء «فَإِنْ حَاجُّوكَ» يا سيد الرسل وجادلوك في الدين وخاصموك من أجله «فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ» وحده وخص الوجه لشرفه وهو من إطلاق الجزء وإرادة الكل بالنسبة إلينا، والله منزه عن الجزئية والكلية وعن جميع ما هو من سمات البشر «وَمَنِ اتَّبَعَنِي»

<<  <  ج: ص:  >  >>