الآية ٢٩ من البقرة المارة أيضا، وقال تعالى (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ) الآية ٣٢ من سورة الأعراف ج ١ لا ليكفروا به ويجحدوا نعمه، وإنما قسم النساء في هذه الآية لأنهن أصل الملاذ الدنيوية، وما بعدهن من تتمة الشهوات التي يميل إليها الطبع البشري في الدنيا، ولهذا جاءت مرتبة على فطرتهم لما فيها من التباهي والتفاخر والتعالي، وقد جاءت هذه الآية بعد ما بيّنه الله تعالى في الآيات قبلها مما يحدثه في قلوب المجاهدين من الثبات وعدم المبالاة بكثرة عددهم وعددهم ووجوب الثقة بالله أعقبها بذكر ما من شأنه أن يثبط الهمم ويحول دون تسابق الناس في ميدان الجهاد، فذكر فيها أن الانهماك في هذه الشهوات يضعف محبة الله في القلب، ويثبط عن الإقدام في سبيل الله فعلى العاقل أن لا يندفع وراءها، لأنها مهما كانت فهي فانية، وأن يشغل نفسه بما يؤدي لطاعة الله ورسوله. قال تعالى يا سيد الرسل «قُلْ» لهؤلاء اللاهين في زحارف الدنيا «أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ» المذكور كله الذي سيكون «لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ» في الآخرة هو «جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ» حسان فيها مقصورة لا يراهن غيرهم ولا يرون غيرهن «وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ»(١٥) يؤثر ما عنده من العطاء الخلد لمن يؤثر الآخرة على الدنيا، وقد حث الله تعالى على ترك الشهوات الدنيوية لأنها فانية وقد تؤدي بصاحبها إلى الخسران في الآخرة، ورغب بما عنده من النعيم الباقي ليعملوا بما يؤملهم إليه. وهذه الآية تدل على أن الله تعالى هيأ لعباده المتقين
جزاء ما قدمت أيديهم من الخير، وعلى مخالفة ما تشتهيه أنفسهم الطّماحة، ثم وصفهم بقوله «الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ»(١٦) وهؤلاء المتحققون بتلك النعم النفيسة قد خص منهم «الصَّابِرِينَ» على البلاء «وَالصَّادِقِينَ» بما يقولون ويفعلون لذوي الحاجات وأرحامهم «وَالْقانِتِينَ» لربهم المتهجدين بالليالي «وَالْمُنْفِقِينَ» من أموالهم على الأصناف الثمانية المذكورين في الآية ٦٠ من سورة براءة الآتية «وَالْمُسْتَغْفِرِينَ» لذنوبهم آناء الليل وأطراف النهار وخاصة «بِالْأَسْحارِ»(١٧)