فيما يتعلق في هذا البحث «وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ» حين تتلو القرآن كأبي سفيان وأبي جهل وعتبة وشيبة ابني ربيعة وأمية ابن خلف والحارث بن عامر، ويقولون لمن معهم النضر بن الحارث ما يقول محمد؟ فيقول لهم ماأدري أراه يحرك لسانه بأساطير الأولين كما كنت أحدثكم عنه، فقال أبو سفيان إني لأرى بعض ما يقوله حقّا، فقال أبو جهل كلا لا تقرّ له بشيء الموت أهون علينا من إقرارك بشيء مما يقوله محمد، فأنزل الله «وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً» أغطية كثيفة «أَنْ يَفْقَهُوهُ» لئلا يعوه ويفهموه فيعلموه «وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً» ثقلا شديدا وذلك أن الله تعالى بشرح قلوب بعض عباده لتقبل الهدى والإيمان والرشد ويضيق بعضها حتى لا تعي شيئا من ذلك ولا تسمعه فيبقى على ضلاله «وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها» لذلك السبب «حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ» فيما أنزل عليك من لدنا يا سيد الرسل «يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا» الذي تتلوه علينا ليس بقرآن وليس من عند الله وما هو «إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ ٢٥» أكاذيبهم وخرافاتهم جمع أسطورة أي أكذوبة وخرافة وَهُمْ يَنْهَوْنَ» يمنعون الناس «عَنْهُ» أي القرآن فلا يتركونهم يسمعونه ويحذرونهم من الإيمان به والتصديق بما أنزل عليه «وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ» يتباعدون بأنفسهم عن سماعه وعن المنزل عليه لئلا يراهم قومهم فيقلدونهم «وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ» بهذا النبي والنأي «وَما يَشْعُرُونَ ٢٦» بأن الوبال يخصهم وحدهم ويضاعف عليهم لصدهم أنفسهم وغيرهم من سماع الحق واتباع الهدى وسلوك طريق الرشد.
مطلب لا يصح نزول الآية في أبي طالب وفي حمل الأوزار والآية العظيمة التي نزلت في حق الرسول صلّى الله عليه وسلم:
نزلت هذه الآية في الكفرة المذكورين أعلاه وهي عامة في كل من يتباعد عن الحق وينهى من يتقرب منه، أما ما روي أن رءوس الكفر قالوا لأبي طالب بعد أن تذاكروا معه بشأن محمد وتعديه على آلهتهم خذ شابا من أصبحنا وجها وادفع إلينا محمدا نقتله، وانه قال لهم ما أنصفتموني أدفع إليكم ابني لتقتلوه وأربي لكم ابنكم، وانه كان من جملتهم وكان ينهاهم عن أذاه ويتباعد عن الإيمان به، فلا