يصح أن يكون سببا للنزول، لأن أبا طالب توفى نصف شوال السنة العاشرة من البعثة كما أشرنا إليه في الآية ٥٦ من القصص المارة في ج ١ أي قبل نزول هذه الآية بكثير، وكذلك ما روي أن حضرة الرسول دعاه إلى الإيمان فقال لولا أن تعيرني قريش لأفررت بها عينك، ولكن أذب عنك، وقال في ذلك أبياتا منها:
والله لن يصلوا إليك بجمعهم ... حتى أوسد في التراب دفينا
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة ... وابشر بذاك وقر منه عيونا
ودعوتني وعرفت أنك ناصحي ... ولقد صدقت وكنت ثم أمينا
فنزلت هذه الآية لما ذكرنا وان الرواية قد وقعت منه لأن له مواقف هامة في الذب عن الرسول والوقوف بوجوه صناديد قريش من أجله، وكانت تهاب محمدا لمهابته لديهم ولقد صدق رحمه الله في قوله لأن قريشا لم توقع فيه أذى إلا بعد موته ولكن هذا كله قبل نزول هذه الآية حتى انه مرة كلف ابن أخيه ذات يوم أن يصفح عن التصريح بدعوته بإلحاح من عظماء قريش عليه لأنهم عرضوا عليه أمورا كثيرة من أمور الدنيا على أن يكف عن سب آلهتهم ولم يفعل فقال يا عم والله لو وضعوا الشمس بيميني والقمر بشمالي ما تركت هذا الأمر حتى يظهره الله تعالى، وهذه القصة مفصلة في سيرة ابن هشام، على أن هذه الآية واللائي قبلها واردة في ذم المشركين، فلا يناسب المقام ذكر النهي عن أذيته صلّى الله عليه وسلم، قال تعالى «وَلَوْ تَرى» بأكمل الرسل «إِذْ وُقِفُوا» هؤلاء المشركون الذين ينهون الناس عن الإيمان بك ويتباعدون عنه أيضا فلو رأيتهم حين يشرفون «عَلَى النَّارِ» لرأيت أمرا فظيعا هالك مرآه وموقفا عجيبا عظم بلاء «فَقالُوا» في ذلك الموقف الرهيب والمشهد العام «يا لَيْتَنا نُرَدُّ» إلى الدنيا فنصدق هذا الرسول وما جاء به من الله «وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا» ورسله بعد ردنا إلى الدنيا أبدا «وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ٢٧» بالله وكتابه ورسوله. ونصب الفعلين بأن مضمرة على جواب التمني أو بإبدال الواو من الفاء وجاز فيهما الرفع عطفّا على نرد وعليه فتكون الأفعال الثلاثة داخلة في التمني فيكونون تمنوا الرد إلى الدنيا وأن لا يكذبوا وأن يكونوا من المؤمنين أو بقطع ولا نكذب ونكون عن فعل