«وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ» من جميع ذنوبكم ومما خلاف الأولى أيضا «إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ» لعباده «رَحِيمٌ ١٩٩» بهم يريد لهم الخير والنجاح في أمورهم كلها، وهذه بشارة من الله تعالى للحجاج بقبول حجهم وغفران ذنوبهم. قال تعالى «فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ» المارة كلها ورميتم جمرة العقبة وذبحتم نسككم واستقريتم في منى.
وصدر هذه الآية شرط جوابه «فَاذْكُرُوا اللَّهَ» بمثل ما تقدم عند التلبية فإنها تنتهي هناك، لأن الحاج لا يزال يلبي من حين يحرم حتى يذبح، ثم أرشدهم لأن يبالغوا في ذكره بقوله جل قوله «كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ» في الجاهلية «أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً» من ذكرهم لأن الله أحق أن يكثر من ذكره، وكان الجاهليون يقفون في منى بين المسجد والجبل فيذكرون آباءهم ومفاخرهم ومآثرهم وفضائلهم ومحاسنهم وجميع مناقبهم كالكرم والشجاعة وإقراء الضيف ومحافظة الجار وسعة البيوت وكثرة العطاء نثرا وشعرا بما أوتوا من فصاحة وبلاغة، لرفع الصيت والشهرة وإظهار الرفعة بين الناس، فأمرهم الله تعالى في هذه الآية أن يبدلوا ذكر آبائهم بذكره، لأنه هو المنعم عليهم وعلى آبائهم، وهو أحق بالذكر والشكر من آبائهم.
«فَمِنَ النَّاسِ» الحجاج المشركين «مَنْ يَقُولُ» في ذلك الموقف «رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا» زدنا من حطامها «وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ ٢٠٠» حظ ولا نصيب لأنهم ينكرون وجودها، روى البخاري عن أبي هريرة قال:
قال صلّى الله عليه وسلم تعس (دعاء بالهلاك وهو الوقوع على الوجه من العثار) عبد الدنيا عبد الدرهم عبد الخميصة (ثوب فمن خزّ معلّم) إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس (وقع على رأسه وخاب وخسر) وإذا شيك (أصابته شوكة) فلا انتقش (لا أخرجت منه شوكة لأن الانتقاش إخراج الشوكة بالنقاش) .
«وَمِنْهُمْ» يعني الحجاج المؤمنين «مَنْ يَقُولُ» في دعائه «رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً» بأن تزيدنا من خيرها «وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً» بأن تزيدنا من ثوابها لعلمهم أنهم قادمون عليها «وَقِنا عَذابَ النَّارِ ٢٠١» في الآخرة لأنا موقنون بك وبرجوعنا إليها «أُولئِكَ» الطالبون خيري الدنيا والآخرة «لَهُمْ نَصِيبٌ» حظ وافر عظيم، لأن تنوين التنكير يدل على كبر ذلك النصيب «مِمَّا كَسَبُوا»