للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بذكر الله تعالى دوام الدعاء بالتلبية والتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير. روى البخاري عن ابن عمرو بن ميمون قال: قال عمر كان أهل الجاهلية لا يفيضون من جمع أي المزدلفة حتى تطلع الشمس، وكانوا يقولون أشرق بثير (جبل بمكة تشرق عليه الشمس فيرونها عليه من المزدلفة ويقولون بعده حتى نغير أن ندفع إلى النحر) فخالفهم النبي صلّى الله عليه وسلم فأفاض قبل طلوع الشمس. وروى البخاري ومسلم عن ابن عباس أن أسامة بن زيد كان رديف النبي صلّى الله عليه وسلم من عرفة إلى المزدلفة، ثم أردف الفضل من المزدلفة إلى منى، وكلاهما قال لم يزل النبي صلّى الله عليه وسلم يلبي حتى يرمي جمرة العقبة.

وروى جابر عنه عليه الصلاة والسلام أنه لما صلّى الفجر بالمزدلفة بغلس ركب ناقته حتى أتى المشعر الحرام (وهو جبل يقف عليه الإمام ويسمى قزح) دعا فيه، كبر وهلل، ولم يزل واقفا حتى أسفر الفجر «وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ» لدينه الحق وشرعه الصدق ومناسك حجه، وأكثروا من الدعاء والتكبير والتهليل «وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ» قبل هدى الله لكم على يد رسوله «لَمِنَ الضَّالِّينَ» (٩٨١) عن طريق السداد تائهين في سبيل العناد، ثم ألمع إلى وجوب الوقوف بعرفات، فقال جل قوله «ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ» من عرفات، وقد أشار إلى الوقوف بمزدلفة أيضا، إلا أنه ليس على طريق الوجوب وجيء بثم لتفاوت ما بين الإفاضتين، فقد روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت:

كانت قريش ومن دان بدينها يقعون بالمزدلفة وكانوا يسمون الحمس (لتشددهم في دينهم) وكانت سائر العرب يقفون بعرفة، فلما جاء الإسلام أمر الله نبيه صلّى الله عليه وسلم أن يأتي عرفات فيقف فيها ثم يفيض منها، فذلك قوله تعالى (ثُمَّ أَفِيضُوا) ، وروى البخاري ومسلم عن هشام بن عروة عن أبيه قال: سئل أسامة بن زيد وأنا جالس كيف رسول الله صلّى الله عليه وسلم يسير في حجة الوداع، قال كان يسير العنق (نوع من السير أشد من المشي) فإذا وجد فجوة (فرجة) نصّ أي أسرع في مشيه بأقصى وسع ناقته. وروى البخاري عن ابن عباس أنه دفع مع النبي صلّى الله عليه وسلم يوم عرفة فسمع النبي صلّى الله عليه وسلم وراءه زجرا شديدا وضربا للإبل فأشار بسوطه إليهم وقال أيها الناس عليكم بالسكينة، فإن البر ليس بالإيضاع (السير السريع الشديد)

<<  <  ج: ص:  >  >>