[مطلب في اهوال القيامة، وإعطاء الكتب، وحال أهلها:]
هذا، وبعد أن صدّر الله تعالى هذه السورة بذكر القيامة وتفخيمها وأخبار وقصص بعض الأمم السالفة وأحوالها وكيفية إهلاكها وذكر نعمة إنجاء المؤمنين، شرع يبين أحوال القيامة وما يكون فيها من أولها إلى آخرها على سبيل الإجمال فقال عز قوله «فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ» ١٣ لا تثنّى في وقتها وإلا فهي نفختان معلومتان لكل منهما زمن معلوم، وإنما قال واحدة لعدم التثنية «وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ» فيها من أماكنها بعد أن مات في تلك النفخة الأولى من عليها أجمع «فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً» ١٤ بأن ضرب الجبال في الأرض بيد القدرة البالغة، فصارت كثيبا مهيلا وهباء منثورا «فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ» ١٥ قامت القيامة ونشر من في الأرض «وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ» ١٦ رخوة مشققة مفطرة بعد ما كانت قوية محكمة لا فطور فيها «وَالْمَلَكُ» أعم من الملائكة «عَلى أَرْجائِها» جوانب السماء وأطرافها لأنها مسكنهم، فإذا كورت لجأوا إلى جوانبها وحوافّها، ثم يموتون أيضا لدخولهم في عموم قوله تعالى (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) الآية ٣٥ من سورة الأنبياء وهي مكررة في البقرة وغيرها «وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ» فوق رءوسهم من فوق الملائكة الذين هم على أكتاف السموات «يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ» ١٧ أملاك عظام وهم من المستثنين من الموت كما مر في الآية ٦٨ من سورة الزمر المارة، «يَوْمَئِذٍ» يوم إذ كان ذلك كلّه ونفخت النفخة الثانية وقام الناس وغيرهم من مدافنهم أحياء «تُعْرَضُونَ» أيها الخلائق على خالقكم ليحاسبكم ويجازبكم «لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ» ١٨ عليه من كل ما وقع منكم سرا أو جهرا، عمدا أو خطأ، بقصد أو غير قصد. ثم تعطى الكتب بالأعمال «فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ» فيغلب عليه الفرح وينادى بأعلى صوته على رءوس الأشهاد «فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ» ١٩ خذوه فانظروه واقرءوه، وذلك لأنه بلغ غاية السرور فأراد أن يطلع عليه معارفه وغيرهم ليعلموا أنه كان في الدنيا على الحق، كما أن من ينجح بالفحص يعلن بالمذياع أو غيره نجاحه ويري شهادته لمن يراه فرحا بها