ولما فرغ عليه السلام من دعوة الخلق إلى الحق حسبما أمره ربه رجع إلى تعبير رؤياهما فقال «يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما» الساقي فإنه يرجع إلى وظيفته «فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً» إذ تظهر براءته مما عزي إليه من العلم والاشتراك باغتيال الملك «وَأَمَّا الْآخَرُ» الطاهي فيثبت عليه الجرم المعزولة «فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ» لتسببه في اغتيال الملك ومباشرته لها فعلا لعدم امتثال أمر الملك بالأكل وبراءة الأول بالشرب، وهما دليلان كافيان على براءة الأول وحكم الثاني، وقال إن هذا سيكون بعد ثلاثة أيام، وذلك لأن الأول قال ثلاث عناقيد عنب، والآخر قال ثلاث سلال، فقال له ما رأينا شيئا فقال لهما «قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ ٤١» ووجب حكم الله تعالى عليكما بما أخبرتكما، رأيتما أو لم تريا، وإنه آتيكم لا محالة بعد ثلاث، ومن هنا قيل البلاء موكل بالمنطق «وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ» تيقن وتحقق «أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي» إذا خرجت من السجن «عِنْدَ رَبِّكَ» سيدك ومولاك لعله يتذكر مظلمتي فيخرجني من السجن، قالوا وبعد ثلاثة أيام خرج الأول وصلب الثاني، وهذا حكم عدل من ملك مصر في براءة الساقي، لانه لم يقبل الجعل على المؤامرة في حق الملك ولم يباشر عملا. أما قتل الطاهي ففيه ما فيه لأنه وإن كان أتم جميع الأسباب إلا أنه لم يقع الفعل كما علمت، ولكن الملوك اعتادت قتل من يتآمر عليها وسنّت بذلك قوانين فهي تعمل بها حتى الآن، قال تعالى «فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ» أي أنسى الشيطان الساقي أن يذكر الملك بيوسف.
[مطلب في ضمير أنساه ورؤيا ملك مصر الأكبر وخروج يوسف من السجن:]
وما قيل إن الضمير في أنساه يعود إلى يوسف غير وجيه، لأن المعنى بصير حينئذ أن الشيطان أنسى يوسف ذكر الله بطلبه الفرج عنه من ملك مصر دونه، وهو محال لما فيه من التعريض إلى الغفلة، والأنبياء بعيدون عنها منزهون منها، لذلك اخترنا ما عليه جل المفسرين من عود الضمير إلى الساقي لأنه أولى وأنسب بالمقام وأوفق للسياق والله أعلم «فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ ٤٢» بسبب ذلك، وعلى ما قالوا إنه أتم في